سلمنا حسن الأفعال وقبحها لذواتها ؛ ولكن لا نسلم أن حسن الحسن ، وقبح القبيح لوجه هو فى نفسه علته كما هو مذهب المتأخرين من المعتزلة.
وبيان امتناعه من أربعة أوجه :
الأول : أن ما اختص بالحسن (١) ، والقبيح من الوجه ، والصفة جائز أن يكون مجهولا غير معلوم عندهم. ولو جاز اختصاص أحد الفعلين المتماثلين بوجه مجهول يوجب تقبيحه ، أو تحسينه ؛ فما المانع من اختصاص أحد المتماثلين بصفة نفسية غير معلومة ؛ وذلك مما لا ينفى معه تعين التماثل بين شيئين أصلا.
الثانى : أنه لا مانع من اختصاص الفعل عند هذا القائل بوجه يوجب حسنه ، وبوجه يوجب قبحه.
ولهذا قال فى حدّ الحسن : ما اختص بوجه من وجوه الحسن مع عروه عن وجوه القبح. وكذلك القبيح : ما اختص بوجه من وجوه القبح مع عروه عن وجوه الحسن.
وعند ذلك : فإما أن يقال : يكون الفعل الواحد حسنا ، وقبيحا ، وليس ذلك من أصل هذا القائل.
وإما أن يقال بأنه لا حسن ، ولا قبيح ؛ فيلزم انتفاء الحسن ، والقبح مع وجود علته ؛ فلا يكون ما قيل إنه علة ، علة ؛ لأن شرط العلة ، الاطراد كما يأتى ؛ وهو (٢) خلاف الفرض.
وإن قيل : بثبوت حكم أحد الوجهين دون الآخر ؛ فليس هو أولى من العكس على أنه مخالف لمذهب هذا القائل.
الثالث : هو أن من مذهب الجبائى القائل بهذا القول : انتفاء الأحوال ، ومع القول بانتفاء الأحوال يمتنع التعليل.
الرابع : هو أن قبح الكذب عندهم معلل بخصوص الكذب ، وقبح الظلم معلل بخصوص الظلم. وكذلك حسن الإيمان ، معلل بخصوص الإيمان ، وحسن الصدق معلل بخصوص الصدق.
__________________
(١) فى ب (به الحسن).
(٢) فى ب (وهذا).