ولهذا قالوا : إنا إذا علمنا جهة الكذب ؛ علمنا القبح ؛ وإن جهلنا ما عداه. وكذلك فى باقى الصور والقبح ، فحكم واحد ، وكذلك الحسن. وقد بان أن تعليل الحكم المتحد بعلل مختلفة ممتنع فيما تقدم ، وسيأتى بيانه أيضا بزيادة (١) شرح (١) وإيضاح ، فى العلل ، والمعلولات (٢).
وإن سلمنا أن حسن الحسن ، وقبح القبيح معلل / بوجود (٣) عائد إلى الفعل (٣) ؛ ولكن لا نسلم أن من فعل فعلا حسنا ، واستحق عليه الثواب والثناء ، أو فعل فعلا قبيحا ، واستحق عليه الذم والعقاب ، لا بد وأن يكون ذلك لصفة عائدة إلى نفس المحسن والمسىء ، كما هو مذهب القائلين بالتحسين والتقبيح العقلى ؛ كما سبق إيضاحه.
وبيانه : أن تعليل استحقاق المحسن ؛ للثواب ، والمسىء ؛ للوم (٤) والعقاب : إما أن يكون القائل به قائلا بالأحوال ، أو نفيها.
فإن كان قائلا بنفى الأحوال : فلا حكم ، ولا علة.
وإن كان قائلا بالأحوال : فالوصف الموجب لاستحقاق الثواب ، أو العقاب بفعل الحسن ، والقبيح : إما أن يكون معلوما ، أو مجهولا.
لا جائز أن يقال بكونه غير معلوم : لما سبق فى إبطال تعليل الحسن والقبيح ، بوجوه عائدة على الفعل غير معلومة.
وإن كان معلوما : فإما أن يكون هو نفس فعل الإحسان والإساءة ، أو كون الفاعل عالما بقبح ما يفعله ومريدا له ، أو عالما بحسن ما يفعله ومريدا له ، أو معنى آخر.
فإن كان الأول : فالإحسان والإساءة ، من صفات الأفعال ، والأفعال لا توجب للفاعل حالا. وأقرب دليل يدل عليه أن الفعل لا معنى له إلا وجود الأثر عن المؤثر ، ووجود الأثر ليس من صفات المؤثر ؛ فلا يكون موجبا لحكم فى المؤثر. كما يأتى تقريره فى العلل ، والمعلولات (٥).
__________________
(١) فى ب (لشرح).
(٢) انظر الجزء الثانى ـ الباب الثالث ـ الأصل الثانى ل ١١٧ / ب وما بعدها.
(٣) فى ب (بوجوه عائدة إلى الأفعال).
(٤) فى ب (للذم).
(٥) انظر الجزء الثانى ـ الباب الثالث ـ الأصل الثانى : فى تحقيق معنى العلل والمعلولات ل ١١٧ / ب وما بعدها.