قيل : بل العلم بانتفاء الغرض فيما ذكرناه من الصورة الأولى والثانية ضرورى ، وإن انقدح الاحتمال فيما وراء ذلك من صور الاستشهاد مع بعده.
وقولهم : يحتمل أن يكون خلود أهل النار فى النار ، أنفع لهم من النعيم المقيم ؛ خروج عن المعقول ، ومكابرة لضرورة العقل.
قولهم : ذلك أنفع (١) لهم لعلمه ـ تعالى ـ أنهم (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (٢). فإنما يلزم أن لو أعادهم مكلفين ، وهو قادر على إخراجهم من غير تكليف ، وإن كلفهم ؛ فهو قادر على منعهم من المعاصى بإماتتهم قبل فعلها ، وعدم إقدارهم عليها ، أو إقدارهم على التوبة بعد الفعل ، والعفو ، والصفح بعد الفعل ؛ بل وهو الأليق بحكمته ، والأقرب إلى رأفته ورحمته من أن يعذبهم ، وينتقم منهم ، مع أنه لا ينتفع بعذابهم ، ولا يتضرر بالعفو عنهم ؛ بل العفو ، والعقوبة بالنسبة إلى جلاله سيان ؛ فكان إخراجهم هو الأصلح (٣) ، والأنفع لهم (٣).
كيف وقد وجدنا فى الشاهد : المدحة للعافى ، دون المنتقم ؛ بل والعقلاء بأسرهم يقبحون مقابلة معصية واحدة ، بالخلود فى العذاب الأبدى السرمدى ؛ فما باله استأثر العقوبة على العفو مع ذلك ، وليس مستندهم فيما قضوا به غير التحسين ، والتقبيح ، وقياس الغائب على الشاهد ؛ والتخليد فى العذاب (٤) على خلاف هذه القواعد.
قولهم : الغرض من ذلك إنما هو نفى الخلف فى خبر الله ـ تعالى ـ والجهل عنه.
قلنا : فالغرض إذن غير عائد إليهم ؛ إذ لا نفع لهم فى ذلك ؛ وهو خلاف الغرض.
كيف : وأن النزاع / إنما هو فى اعتبار الأغراض العائدة إلى المنافع ، والمضار ، والمصلحة ، والمفسدة الدنيوية ، والأخروية ؛ وليس النزاع فى وجوب وقوع الفعل من الله تعالى ـ ضرورة استحالة الخلف فى خبره ، واستحالة وقوع خلاف معلومه ؛ فإن ذلك متفق عليه.
__________________
(١) فى ب (أبلغ).
(٢) سورة الأنعام ٦ / ٢٨.
(٣) فى ب (الأنفع لهم والأصلح).
(٤) فى ب (النار).