ومن أطلق الغرض فى أفعال الله ـ تعالى ـ (على) (١) مثل هذه الأمور ؛ فلا نزاع معه فى غير اللفظ.
وما ذكروه من الغرض فى خلق السموات ، والأرض ، وما بينهما ؛ فجوابه من أربعة أوجه.
الأول : أنه لو كان ما ذكروه غرضا ؛ لوجب حصوله من كل وجه ، وإلا كان البارى ـ تعالى ـ عاجزا عن تحصيل غرضه من الوجه الّذي لم يحصل ، وليس كذلك ؛ فإنه (٢) كم (٢) من هالك بما خلق لأجل صلاحه ، وانتظام أحواله ، واستدلاله على ما ينفعه : كالغرقى (٣) ، والحرقى (٣) ، والهلكى بالأسباب السماوية ، والأرضية ، وليس من الصلاح خلق شيء لمنفعة شخص ، يكون هلاكه فيه ، مع علم الخالق به.
ولو قال الخالق : إنما قصدت صلاحه بم علمت أن هلاكه فيه ، كان قوله مردودا مستنكرا ؛ بل وكم من تارك النظر ، والاستدلال بموجودات الأعيان ؛ ولهذا لو نسبنا الناظر (٤) المؤمن إلى غيره لم نجده إلا قليلا من كثير.
الثانى : أن الفائدة فى معرفة وجود الله ـ تعالى ـ وما يجب له من الصفات ، وما يجوز وما لا يجوز ؛ لا يمكن عودها إلى (٥) الله (٥) ـ تعالى ؛ إذ هو يتعالى ، ويتقدس عن الأغراض كما سبق. فلا بد وأن تكون عائدة إلى العبد (٦) ، وتلك (٦) الفائدة عند البحث عنها (لا تخرج) (٧) عن الالتذاذ بالمعرفة والثواب عليها ؛ وذلك كله مقدور أن يجعله (٨) الله ـ تعالى ـ للعبد من غير واسطة. بأن يخلق له العلم الضرورى به ، وبصفاته ، وأن ينله الثواب الجزيل ، بدون النظر ، والطاعة ؛ فلا حاجة إلى هذا التكليف والمشقة ، مع إمكان حصول الغرض دونه ؛ بل ربما كان التكليف ، مع إمكان حصول الغرض دونه عبثا ، والعبث فى حق الله (٩) ممتنع.
وبه يخرج الجواب عما ذكروه فى القول (١٠) بالتكاليف ، وإيجاب العبادات.
__________________
(١) فى أ (على ما).
(٢) فى ب (بل وكم).
(٣) فى ب (كالحرقى والغرقى).
(٤) فى ب (النظر).
(٥) فى ب (إليه).
(٦) فى ب (الخلق وذلك).
(٧) ساقط من أ.
(٨) فى ب (يحصله).
(٩) فى ب (على الله تعالى).
(١٠) فى ب (القول الأول).