فإن قيل : الثواب جزاء على النظر ، والمشاق اللازمة بالتزام الطاعات وفعل (١) المأمورات ، واجتناب المنهيات ؛ ألذ من ابتدائه ، وأنفى للمنة ؛ فهو خروج عن الدين ، وتكبر عن الدخول فى منن الله ـ تعالى ـ وإسباغ نعمه. وكيف السبيل إلى ذلك ، وأين المفر عنه مع القول : بإيجاده مبرأ عن الآفات ، ممكنا من تحصيل اللذات ، وإقداره على ما يصدر عنه من الطاعات ، وتكميل عقله للفهم والإدراك إلى غير ذلك من النعم التى لا تعد ولا تحصى ، وذلك / منه بدا من غير سابقة طاعة ، أو فعل عبادة.
الثالث : هو أن الخصم معترف بأن ما يفعله العبد من الطاعات ، واجب عليه وملجأ إليه ؛ شكرا لله ـ تعالى ـ على ما أولاه من مننه ، وأسبغ عليه من جزيل نعمه. فكيف يستحق الثواب على ما أداه من الواجبات؟ والجزاء على ما حتم عليه من العبادات. وكيف السبيل إلى الجمع بين القول بوجوب الطاعة على العبد شكرا ، والثواب على البارى ـ تعالى ـ جزاء. وذلك من جهة أنّ الشّكر لا يجب ، إلا بعد سابقة النعم (٢) المتطوّل بها ابتداء ، لا بطريق الوجوب. والجزاء الواجب ، لا يكون ؛ إلا بعد سابقة خدمة (٢) ، وطاعة متبرع بها ، لا (٣) على (٣) ما وقع بطريق الوجوب فى مقابلة النعم السابقة. وقوله ـ تعالى ـ : (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (٤) وقوله ـ تعالى ـ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (٥) فليس المراد به التعليل ؛ وإنما المراد به تعريف الحال فى المآل كما فى قوله ـ تعالى ـ (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (٦). وقوله ـ تعالى ـ (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) (٧).
ونحن لا ننكر وقوع مثل ذلك ، وإنما ننكر كونه مقصودا بالتكليف حتى يقال إنه كلف بكذا ، أو لعله كذا ، وبهذا يخرج الجواب عما ذكروه من النصوص الدالة على أن المقصود من خلق السموات ، والأرض وما بينهما ، إنما هو النظر ، والاعتبار.
__________________
(١) فى ب (بفعل).
(٢) من أول (النعم المتطول ... الى قوله سابقة) مكرر فى أ.
(٣) فى ب (على).
(٤) سورة الجاثية ٤٥ / ٢٢.
(٥) سورة النجم ٥٣ / ٣١.
(٦) سورة القصص ٢٨ / ٨.
(٧) سورة القصص ٢٨ / ٧٣.