وأما إن كان الإيلام من المخلوقين بعضهم فى (حق) (١) بعض : فيجب على الله ـ تعالى ـ إنصاف المظلوم من الظالم.
وعند ذلك : فإما أن يكون للظالم عوض عند الله ـ تعالى ـ / أو لا عوض له. فإن كان الأول : فيجب أن يصرف إلى المظلوم ما يستحقه الظالم من الأعواض بقدر إيلامه له.
وإن كان الثانى : فيجب عليه صرفه عن الإيلام ابتداء بوجه من الوجوه ، أو أن يعوضه من عنده.
ثم اختلفوا فى وقت وقوع أعواض البهائم :
فمنهم من قال بذلك فى الدنيا. ومنهم من قال به (٢) فى الأخرى (٢) فى غير الجنة. ومنهم من قال بوقوعه فى الجنة.
وهل يجب عليه تكميل عقولها لتعلم أن عوضها دائم غير منقطع؟ فمختلف فيه أيضا بينهم ؛ لكنهم اتفقوا على أن الأعواض المستحقة على الخلق (٣) غير دائمة.
وأما المجوس (٤) : فمعتقدهم أن الآلام قبيحة لذاتها ، ولا تحسن بوجه من الوجوه ، غير أنها صادرة عن الظلمة ، دون النور.
وأما التناسخية (٥) : فلم يجوزوا صدور الآلام من الله ـ تعالى ـ ابتداء بوجه من الوجوه إلا بطريق المجازاة على ما سبق من اقتراف الجرائم ، ويتحقق ذلك فى البهائم ؛ بأن تكون أرواحهم قبل انتقالها إلى أبدان البهائم فى أبدان أشرف من أبدان البهائم ، وقد اقترفت الجرائم ؛ فنقلت إلى أبدان البهائم ؛ لتعذب على جرائمها.
ثم التزموا على هذا الأصل : أنّ البهائم مكلفة عالمة بما يجرى عليها من الآلام ، وأنها مجازاة على فعلها ، ولو لا ذلك ، لما تصوّر انزجارها بالآلام عن العود إلى الجريمة بتقدير انتقالها إلى بدن أشرف من أبدان البهائم.
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) فى ب (فى الآخرة).
(٣) فى ب (المكلف).
(٤) انظر الملل والنحل للشهرستانى ٢ / ٣٨ وما بعدها.
(٥) انظر الملل والنحل ٢ / ١١٣ وما بعدها.