ولهذا فإن من كان قادرا على الإحسان إلى ضعيف دون سابقة إيلامه ، لا يحسن منه الإيلام لأجل الإحسان ، والله ـ تعالى ـ قادر على التفضل بمثل ذلك العوض من غير إيلام ؛ فلا يحسن منه الإيلام.
فإن قيل : لا نسلم أن الله ـ تعالى ـ قادر على التفضل بمثل العوض ؛ وذلك لأن العوض مستحق غير مشوب بالمنة ، والتفضل بضده.
قلنا : أما من اعترف منهم بأن التفضل بمثل العوض مقدور لله ـ تعالى ـ فالإلزام لازم له (١). ومن منع من ذلك ، فمنعه باطل مردود عليه ؛ وذلك لأنا بينا فيما تقدم أنه لا يستحق على الله شيء ، ولا يجب ؛ فالعوض لا يكون مستحقا ؛ فيكون تفضلا من الله تعالى / أيضا. غير أنه اختص باسم العوض لكونه مسبوقا بالإيلام ، وإذا كان تفضلا ؛ فهو مثل التفضل (٢) السابق للإيلام. والقادر على أحد المثلين يكون قادرا على المثل الآخر.
وعلى هذا نقول : إن التفضل بمثل الثواب مقدور لله ـ تعالى ـ أيضا ، وإن كان ممنوعا عند بعض المعتزلة.
وما قيل : من لزوم شائبة المنة ، فمع إبطاله بما أسلفناه لازم أيضا فى العوض بتقدير كونه غير مستحق.
ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على تحسين الألم للتعويض (٣) ؛ لكنه يلزم عليه القضاء بتحسين إيلام الواحد منا لغيره ابتداء إذا كان ملتزما للعوض ؛ وهو خلاف الإجماع منا ، ومن المعتزلة ، ومن كافة الأمة.
فإن قيل : البارى ـ تعالى ـ عالم بعواقب الأمور ، وباقتداره على التعويض ، بخلاف الواحد منا ؛ فلا يلزم من التحسين فى حق الله ـ تعالى ـ التحسين فى حق الواحد منا ، مع انطواء العاقبة عنه ، وجواز تحقق الألم من غير عوض بخلاف الرب ـ تعالى ـ فهو (٤) باطل بإيلام (٤) الولى ، والقيم على الطفل بقطع السلع ، والفصد ، والحجامة ، والتأديب بالضّرب المؤلم ؛ ارتقابا لما يتوقع من النفع ، وإن كان مظنونا غير متيقن.
__________________
(١) فى ب (عليه).
(٢) فى ب (للفضل).
(٣) فى ب (للعوض).
(٤) فى ب (قلنا هذا باطل بجواز إيلام).