وعلى هذا يمتنع تحسين الإيلام لتحصيل نفع ، أو دفع ضرر. وكل ما قيل فى العوض ؛ فهو متجه هاهنا ، والقول بتحسين الألم للعوض (١) ، واعتباره (١) معا فباطل أيضا ؛ إذ العوض إنما يكون مؤثرا فى التحسين أن لو لم يكن مقدورا على التفضل بمثله ، أو أزيد ؛ وليس كذلك على ما سبق.
والاعتبار أيضا غير مؤثر ؛ لما فيه من إلزام الضرر لأحد المكلفين ، لنفع الآخر ، وليس هو أولى من العكس ؛ فيكون ظلما ، والظلم ـ عندهم ـ قبيح لذاته.
وبمثل هذا يبطل قول الضيمرى : بالتحسين لمجرد الاعتبار.
والقول بأن الألم إنما حسن بالعوض ، مع القدرة على التفضل بمثله إذا علم الله أنه لا ينفعه إلا بجهة التعويض ؛ فهو أيضا باطل ؛ فإنه إذا كان قادرا على التفضل بمثل ذلك العوض ابتداء من غير سابقة ألم ، ولا هو محتاج إلى التأليم ، ولا هو متضرر بالتفضل ؛ فالتأليم يكون عبثا لا فائدة فيه ؛ فيكون قبيحا. وعلمه بأنه لا ينفعه إلا بجهة العوض لا يخرج الألم عن كونه قبيحا.
وقولهم : إن الإيلام دون هذه الأمور يكون ظلما من الله ـ تعالى ـ والظلم قبيح لذاته (٢) ؛ فقد (٢) سبق الكلام على الطرفين.
وقول من قال : إن القبيح لذاته / مقدور عليه لله ـ تعالى ـ ؛ فباطل ؛ لاستحالة القبيح لذاته كما سبق.
ثم وإن قدر وجود القبيح لذاته ؛ فلا نسلم تصور وجوده من الرب ـ تعالى ـ
فلئن قالوا : يتصور من الله ـ تعالى ـ إيلام الكافر عقوبة على كفره. ولا فرق فى الألم المقدور فى حق الكافر ، وبين الألم فى حق من لم تسبق منه جناية غير وجود الجناية فى إحدى الصورتين ، وعدمها فى الأخرى. وذلك غير داخل فى حقيقة الألم المقدور ؛ فكان (٣) الألم فى حق غير الجانى مقدورا لله ـ تعالى ـ وذلك الإيلام قبيح ؛ فكان القبيح مقدورا.
__________________
(١) فى ب (والعوض والاعتبار).
(٢) فى ب (فى ذاته وقد).
(٣) فى ب (فإن).