وربما احتجوا بقوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) (١). وهو دليل التكليف بالسجود مع عدم الاستطاعة له (٢).
وهو أضعف من الأول ؛ فإنه مع إمكان حمل نفى الاستطاعة على نفى السهولة ، والانقياد من غير حرج ومشقة ؛ فليس فيه ما يدل على تكليفهم بالسجود حتى يقال به مع عدم الاستطاعة ؛ إذ الدعاء فى الدار الآخرة إلى السجود ليس بتكليف ، لانعقاد الإجماع على أن الدار الآخرة ليست دار تكليف ؛ بل دار مجازاة ، ومقابلة على ما فعل فى الدنيا.
وإذا ثبت أن كل تكليف ؛ فإنه قبل خلق القدرة عليه تكليف بما لا يطاق فلا معنى لمخالفة من وافق من أصحابنا على ذلك فى كون التكليف بما لا يطاق واقعا ؛ فإن التكليف قبل خلق القدرة متفق على وقوعه / بين الأمة إلا أن يريد به التكليف بالمحال الّذي لا يتصور تعلق القدرة القديمة ، ولا الحادثة به : كالجمع بين الضدين ، ونحوه ـ فهذا هو موضع الاختلاف فى الوقوع.
وقد استدل من قال بوقوع التكليف بالجمع بين الضدين ، بتكليف أبى لهب بتصديق النبي عليه الصلاة والسلام فى أخباره. ومن أخبار النبي عليهالسلام أن أبا لهب لا يصدقه لإخبار الله ـ تعالى ـ لنبيه بذلك ؛ فقد كلفه بأن يصدقه فى إخباره بأنه لا يصدقه ؛ فتكليفه بالتصديق (٣) له (٣) ، تكليف له بأن لا يصدقه ؛ وهو تكليف بالجمع بين الضدين.
واستدل أيضا بقوله ـ تعالى ـ : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (٤) أخبر أنه لا يؤمن غير من (آمن) (٥) مع أنهم كانوا مكلفين بتصديقه فيما يخبر به (٦) ، ومن ضرورة ذلك تكليفهم بأن لا يصدقوه تصديقا (٧) له فى خبره : أنهم لا يؤمنون.
__________________
(١) سورة القلم ٦٨ / ٤٢.
(٢) فى ب (عليه).
(٣) فى ب (بتصديقه).
(٤) سورة هود ١١ / ٣٦.
(٥) فى أ (لم يؤمن).
(٦) فى ب (به عليه).
(٧) فى ب (لأنه تصديق).