ذلك من أجلّ النعم. وغايته أنهم كفروا ، وسلكوا طريق الضلال المؤدى إلى الهلاك ، وقابلوا الإحسان بالإساءة ، والنعمة بالكفر الموجب للعقاب ؛ وذلك لا يخرج ما فعله فى حقهم ابتداء عن كونه نعمة وهذا كما أنه لو ابتدأ إنسان بالإحسان ، والإنعام على غيره. ثم عاقبه بجنايته عليه ؛ فإن العقوبة على الجناية ، لا تخرج الفعل الأول عن كونه نعمة وإحسانا.
هذا ما يخص كل واحدة من النعمتين من الدلالة العقلية.
وأما الدلالة السمعية :
فمنها ما يدل على وجود النعمة ، غير مخصص بإحدى النعمتين دون الأخرى ، ومنها ما يدل على خصوص إحدى النعمتين.
أما الدلالة الأولى : فمن جهة الكتاب ، والإجماع.
أما من جهة الكتاب : فآيتان.
الأولى : قوله ـ تعالى ـ : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) (١).
والثانية : قوله ـ تعالى ـ : فى قصة قارون : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) (٢).
وأما الإجماع : فهو أن الأمة متفقة (٣) على أن الكفار تاركون لشكر نعم الله ـ تعالى ـ عليهم.
وأما ما يدل على خصوص نعمة الدنيا من جهة الكتاب : فقوله ـ تعالى ـ فى حق آل فرعون : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ* وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) (٤). وقوله ـ تعالى ـ لثمود : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) (٥). إلى غير ذلك من الآيات.
ثم اعترض (٦) هذا القائل على الحجة الأولى وقال (٦) :
__________________
(١) سورة النحل ١٦ / ٨٣.
(٢) سورة القصص ٢٨ / ٧٧.
(٣) فى ب (معتقدة).
(٤) سورة الدخان ٤٤ / ٢٥ ـ ٢٧.
(٥) سورة الأعراف ٧ / ٧٤.
(٦) فى ب (اعترضوا على الحجة الأولى فقالوا).