أما قوله ـ تعالى ـ : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (١) فقد قال أهل التفسير فيها : الاستدراج : أن ينعم على العبد بنعمة ، ولا يلهم الشكر عليها ، أو يقضى عليه بنقمة ، ولا يلهم الصبر عليها ؛ وذلك يفضى إلى ثبوت النعمة لا نفيها.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (٢) فالمراد من الإملاء الإبقاء ، وازدياد الإثم بسبب ما يقترفون من الجنايات ، ويرتكبون من المحظورات ، وليس فيه ما يدل على نفى النعمة فيما قررناه من النعم الدينية ، ولا الدنيوية.
وقوله (٣) ـ تعالى (٣) ـ : (فَلا / تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٤). فليس فيه دلالة أيضا ؛ فإن الأموال والبنين ليست سببا للعذاب ، وإلا كانت (٥) سببا له فى حق الأنبياء ، والأولياء ؛ وليس كذلك ؛ بل السبب لذلك. إنما هو ترك الشكر عليها ، وذلك يقرر كونها نعما. ويدل عليه قوله ـ تعالى ـ : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ) (٦). أثبت كون الباقيات الصالحات خيرا منها ؛ وذلك يستدعى الاشتراك فى أصل الخير ، وأصل الخير نعمة ، لا نقمة.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) (٧) ودليل إبقائه قليلا ، وأن مأواه إلى النار ، وليس فيه ما يدل على نفى ما ذكرناه من النعم ، ولا إثباتها.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) (٨) الآية ؛ فهى صريحة فى الإكرام ، والنعمة.
والقول بأن الابتلاء بالإكرام ، والإنعام ؛ ليعرضه للشكر بما أنعم عليه حتى إذا تركه عوقب ، ففيه ما يوجب كون المتروك شكره نعمة. وإلا لما استحق الشكر عليه ، ولما عوقب بتركه.
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ / ١٨٢.
(٢) سورة آل عمران ٣ / ١٧٨.
(٣) فى ب (فقوله).
(٤) سورة التوبة ٩ / ٥٥.
(٥) فى ب (لكانت).
(٦) سورة الكهف ١٨ / ٤٦.
(٧) سورة البقرة ٢ / ١٢٦.
(٨) سورة الفجر ٨٩ / ١٥.