والقول بأن كل ما يكون الإضرار اللازم له زائدا عليه ، لا يكون نعمة. فإنما يلزم ذلك أن لو كان الإضرار لازما من النعمة المفروضة ؛ وليس كذلك ؛ بل إنما هو لازم من الكفر ، ومقابلة الإحسان بالإساءة ، والإنعام بالكفر على ما بيناه.
وإن سلمنا لزومه عن النعمة المفروضة ؛ فلزوم القدر الراجح عن النعمة المرجوحة لا يخرجها عن حقيقتها ، وعن كونها نعمة ، كما لا يخرجها عن كونها لذة.
وأما الاستشهاد بالطعام المسموم : فغير مناظر لما نحن فيه ؛ إذ الآكل غير عالم بمخالطة السم للطعام ، ولا هو متميز فى علمه عن الطعام ، ولو كان كذلك لما تناوله ، وتناوله سبب للهلاك بخلاف ما نحن فيه ؛ فإن النعم متميزة عن الأسباب الموجبة للهلاك ، ولا النعم سبب الهلاك ؛ فلا يلزم من كون ذلك ليس نعمة أن لا يكون ما نحن فيه نعمة.
وقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) (١). الآية. دليل (٢) على اختصاص من آمن فى الدنيا بالطيبات يوم القيامة ، وليس فيه (٣) ما يدل على أنه قصد الإنعام بخلقها فى الدنيا على المؤمنين دون الكفار.
وأما من فرق بين النعمة الدينية ، والدنيوية ، حتى / أنه نفى النعمة الدينية دون الدنيوية فقال : النعمة الدنيوية هى اللذة الحاصلة فيها ؛ وذلك متحقق لا مراء فيه ، كما تقدم تقريره.
وأما النعمة الدينية : فهى الهدى. والهدى إنما يتحقق بشرح صدورهم على ما قال ـ تعالى ـ : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (٤) ولم يتحقق ذلك ؛ فلا يكون نعمة فى حقهم.
والحق فى هذه المسألة أنها اجتهادية ، وليست قطعية ؛ ولعل حاصل الخلاف فيها لا يرجع إلى غير التسمية.
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ / ٣٢.
(٢) فى ب (فدليل).
(٣) فى ب (فيها).
(٤) سورة الأنعام ٦ / ١٢٥.