أما قوله / ـ تعالى ـ : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) دليل على تنجيز شرح الصدر ، وجعله ضيقا حرجا فى الدنيا ؛ وليس فيه ما يدل على تنجيز الهداية ، والإضلال ؛ إذ أمكن أن يكون المراد من قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) : أى فى الدار الآخرة (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) فى الدنيا (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) فى الآخرة (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) فى الدنيا.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١). لا يمتنع أن يكون محمولا على الدعاء إلى دار السلام فى الدنيا ، والهداية فى الأخرى (٢) ؛ إذ ليس فى اللفظ ما يدل على تخصيص الهداية بالدنيا لا من جهة اللفظ ، ولا المعنى ، وكذلك الكلام فيما بقى من النصوص.
وليس فى حمل النصوص على الهداية والإضلال ـ على ما تأوله الخصم أيضا ـ ما يوجب رفع الهداية ، والإضلال فى الدنيا ؛ لجواز استفادته من دليل آخر.
وأما الوجه الثانى : فإنما يلزم بتقدير أن يكون المتأول قائلا بإيجاب الهداية بالاعتبار المذكور ، وإلا فلا.
وعلى تقدير أن يكون قائلا به ؛ فلا يخرج بذلك عن الاختيار ـ وهو أن يكون ذلك بالقدرة ، والمشيئة الأزلية ـ وإن كان لا بد من وقوعه. وإن كان لزوم الوقوع ، أو لزوم عدمه مع كونه بالقدرة ، والمشيئة ـ مما يخرج الرب ـ تعالى ـ عن كونه مختارا ؛ للزم منه ذلك.
وإن حمل لفظ الهداية ، والإضلال : على خلق الهدى ، والضلال فى الدنيا أيضا. وذلك لأنه لا يخلو : إما أن يكون وقوع ذلك معلوما لله ـ تعالى ـ أو عدمه.
فإن كان المعلوم هو الوقوع ؛ فلا بد منه.
وإن كان المعلوم هو العدم ؛ فلا بد منه ؛ حتى لا يكون علم الله ـ تعالى ـ جهلا ؛ وذلك يوجب خروج الرب ـ تعالى ـ عن كونه مختارا ، مع أن الوقوع وعدم الوقوع بالقدرة ، والمشيئة الأزلية ؛ ولا محيص عنه.
__________________
(١) سورة يونس ١٠ / ٢٥.
(٢) فى ب (الآخرة).