وأما الاحتمال الثالث :
فالجواب عنه من وجهين :
الأول : أنا لا نسلم صحة إطلاق الهداية ، والإضلال على تسمية الشخص مهتديا ومضلا ؛ فإنه لا يحسن أن يقال : هدى فلان لفلان ؛ إذا سماه مهتديا ، وكذا فى الإضلال.
وأيضا : فإنه لو جاز إطلاق الإضلال على تسمية الشخص مضلا ؛ لجاز أن يقال للأنبياء (عليهمالسلام) مضلون للكفرة ؛ إذا سموهم بذلك ؛ وهو غير سائغ فى الإطلاق.
الثانى : وإن سلمنا صحة الإطلاق بذلك ؛ ولكن يمتنع حمل ما أوردناه من النصوص عليه لوجوه خمسة :
الأول : أن الرب ـ تعالى ـ إنما ذكر الهداية ، والإضلال ، وأسند كل واحد إلى مشيئته فى معرض التمدح ، والاستعلاء. ولو كان المفهوم من ذلك محمولا على التسمية ؛ لبطلت فائدة التخصيص بالتمدح.
الثانى : أنه لو كان المراد ما ذكروه ؛ لما امتنع على (١) النبي عليهالسلام الهداية (١) لمن شاء ؛ لعدم امتناع التسمية عليه بذلك ، وهو خلاف قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ / أَحْبَبْتَ) (٢).
الثالث : هو أن الله ـ تعالى ـ أخبر بتقدم شرح الصدر على من أراد هدايته ، وضيقه على من أراد إضلاله ؛ وذلك مما لا يتوقف عليه الهداية ، والإضلال بمعنى التسمية.
الرابع : هو أن الأمة مجمعة على التضرع إلى الله ـ تعالى ـ بالهداية ، وتجنب الإضلال مع حث الشرع ، وندبه إلى ذلك ، وفى حمل ذلك على مجرد التسمية بهت ، وخروج عن تصرفات العقلاء.
الخامس : أنه بعيد عن الفهم. وما ذكرناه قريب ؛ فيمتنع الحمل عليه إلا بدليل.
وبهذا الوجه الأخير يندفع ما ذكروه ، من تأويل الضلال على نفس المعاقبة أيضا.
__________________
(١) فى ب (من النبي صلىاللهعليهوسلم).
(٢) سورة القصص ٢٨ / ٥٦.