الثالث : هو أن من ألجئ إلى فعل أمر مضر ؛ دفعا لما هو أضر منه ؛ فإنه مضطر. وإن لم يفعل فيه غيره فعلا. ولا يخفى أن وجود المحدود دون الحد نقض للحد ؛ لكون المحدود أعم من الحد ، والحد يمتنع أن يكون أعم من المحدود ، أو أخص منه.
وبهذا الوجه الثالث : يبطل ما ذكره أبو هاشم أيضا.
وقد أورد بعض / الأصحاب على ما ذكره الجبائى ، وابنه : نقوضا أخر فقال : يلزم على ما ذكرتموه أن يسمى الصحيح مضطرا إلى صحته ، والحى مضطر إلى حياته ، من حيث أن الصحة ، والحياة فعل الغير فيه ، وكذلك أيضا الكلام فى : قدرته ، وسواده ، وبياضه ؛ وهو غير وارد عليهما ؛ حيث أنهما شرطا كون الفعل من قبيل (١) مقدورات المضطر (١).
وما ذكر من الصفات ؛ فليست من قبيل (٢) مقدورات المضطر (٢).
فإن قيل : فيلزم على ما قاله القاضى : أن لا يكون من خلقت فيه حركة الارتعاش مضطرا ، ومن خلق فيه العلم الضرورى مضطرا ؛ إذ لا ضرر عليه فيه. وأن لا يكون متناول الميتة حالة مخمصة مضطرا ؛ إذ لا ضرر عليه فى تناولها ؛ وهو خلاف المشهور المعهود من الإطلاق عرفا.
ثم يلزم منه : أن لا يقع الفرق بين المضطر ، وغير المضطر ؛ إذا كان كل واحد من الفعلين مكتسبا.
قلنا : المضطر إلى الحركة ، والعلم ؛ هو على أصل القاضى ؛ هو الملجأ إليهما على الشرط المذكور.
وأما من خلقت فيه الحركة ، أو العلم ؛ فليس مضطرا على الحقيقة عنده ، وإن أطلق اسم المضطر عليه ؛ فليس إلا بطريق التجوز.
وأما تناول الميتة : فقد أجاب عنه بأنه لا يخلو : إما أن يكون نفس المتناول للميتة حالة المخمصة عائفة لها ، أو غير عائفة لها.
__________________
(١) فى ب (مضطراته).
(٢) فى ب (مقدوراته).