وأما ما نقلوه عن الإنجيل : أن مريم تلد إلها. إن صح ، ولم يكن ذلك من أوضاعهم ، وتبديلهم فلا بد من تأويله ؛ إذ الإله لا يولد عندهم ؛ بل المولود إنما هو الناسوت. وتأويله أن يقال بحمله على الإنباء عن الغيب ، وهو أن مريم تلد من يعتقد أنه إله. وإن لم يكن إلها حقيقة ، وذلك كما تسمى العرب الشمس إلها باعتبار أنها عبدت ، واعتقد كونها إلها ؛ بل هو معارض بما نقل فى الإنجيل مما يدل على كونه ليس بإله من وجهين :
الأول : قول عيسى عليهالسلام للحواريين : «اخرجوا بنا من هذه المدينة ؛ فإن النبي لا يكرم فى مدينته» (١). والنبي لا يكون إلها.
الثانى : ما نقل فى الإنجيل أنه عند الصلب قال : «إلهى لم خذلتنى ، وأسلمتنى» (٢) صرح بكونه مربوبا ؛ والمربوب لا يكون إلها.
وأما احتجاجهم من كتابنا بقوله ـ تعالى ـ (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) (٣)
فالجواب عنه : أن معنى كونه كلمة : أى آية : فإن الكلمة تطلق بمعنى الآية. ومنه قوله تعالى (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) (٤) : أى آياته. ويدل على إرادة ذلك أمور ثلاثة :
الأول : صدر الآية وهو قوله ـ تعالى ـ (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ) سماه رسولا ، ولو كان كلمة على (٥) الحقيقة (٥) ؛ لما كان رسولا.
الثانى : قوله ـ تعالى ـ (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) (٦).
ووجه الاحتجاج به من وجهين :
الأول : أنه سماه آية.
الثانى : أنه وصفه بكونه ابنا لها ، والإله ليس ابنا لها.
__________________
(١) بحثت فى إنجيل متى الإصحاح الثالث عشر : رقم ٥٧ فوجدت الآتى :
(أما يسوع فقال لهم ليس نبى بلا كرامة إلا فى وطنه وفى بيته).
(٢) فى إنجيل متى ٢٧ : ٤٦ (إلهى إلهى لم تركتنى).
(٣) سورة النساء ٤ / ١٧١.
(٤) سورة لقمان ٣١ / ٢٧.
(٥) فى ب (حقيقة).
(٦) سورة الأنبياء ٢١ / ٩١.