رجال منكم حتى إذا تأهبت لأتناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي رب! أصحابي ، يقول : لا تدري ما أحدثوه بعدك».
والأظهر أنهم من الداخلين في غمار هذه الأمة لأجل ما دل على ذلك فيهم وهو الغرة والتحجيل ، لأن ذلك لا يكون لأهل الكفر المحض ، كان كفرهم أصلا أو ارتدادا. ولقوله : «قد بدلوا بعدك» ولو كان الكفر لقال : قد كفروا بعدك. وأقرب ما يحمل عليه تبديل السنة ، وهو واقع على أهل البدع. ومن قال : إنه النفاق ، فذلك غير خارج عن مقصودنا ، لأن أهل النفاق إنما أخذوا الشريعة تقية لا تعبدا ، فوضعوها غير مواضعها وهو عين الابتداع.
ويجري هذا المجرى كل من اتخذ السنّة والعمل بها حيلة وذريعة إلى نيل حطام الدنيا لا على التعبد بها لله تعالى ، لأنه تبديل لها وإخراج لها عن وضعها الشرعي.
وأما الخوف عليه من أن يكون كافرا ، فلأن العلماء من السلف الأول وغيرهم اختلفوا في تكفير كثير من فرقهم مثل الخوارج والقدرية وغيرهم ، ودل على ذلك ظاهر قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (١) ، وقوله : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) (٢) ، الآية. وقد حكم العلماء بكفر جملة منهم كالباطنية (٣) وسواهم ، لأن مذهبهم راجع إلى مذهب الحلولية القائلين بما يشبه قول النصارى في اللاهوت (٤) والناسوت (٥) ، والعلماء إذا اختلفوا في أمر : هل هو كفر أم لا؟ فكل عاقل يربأ بنفسه أن ينسب إلى خطة خسف كهذه بحيث يقال له : إن العلماء اختلفوا : هل أنت كافر أم ضال غير كافر؟ أو يقال : إن جماعة من أهل العلم قالوا بكفرك وأنت حلال الدم.
__________________
ـ باب : (٥) ، وفي كتاب : الزهد ، باب : (٣٦). وأخرجه الإمام أحمد (١ / ٢٥٧ ، ٣٨٤).
(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٩.
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٦.
(٣) الباطنية : فرقة من الشيعة تعتقد أن للشريعة ظاهرا وباطنا.
(٤) اللاهوت : الألوهية ، علم اللاهوت : علم يبحث عن العقائد المتعلقة بالله.
(٥) الناسوت : لطبيعة الإنسان.