وأما أنه يخاف على صاحبها سوء الخاتمة والعياذ بالله ، فلأن صاحبها مرتكب إثما ، وعاص لله تعالى حتما ، ولا نقول الآن : هو عاص بالكبائر أو بالصغائر ، بل نقول : هو مصر على ما نهى الله عنه ، والإصرار يعظم الصغيرة إن كانت صغيرة حتى تصير كبيرة ، وإن كانت كبيرة فأعظم. ومن مات مصرّا على المعصية فيخاف عليه ، فربما إذا كشف الغطاء وعاين علامات الآخرة استفزه الشيطان وغلبه على قلبه ، حتى يموت على التغيير والتبديل ، وخصوصا حين كان مطيعا له فيما تقدم من زمانه ، مع حب الدنيا المستولي عليه.
قال عبد الحق الإشبيلي : إن سوء الخاتمة لا يكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه ، ما سمع بهذا قط ولا علم به والحمد لله ، وإنما يكون لمن كان له فساد في العقل أو إصرار على الكبائر ، وإقدام على العظائم ، أو لمن كان مستقيما ثم تغيرت حاله وخرج عن سننه ، وأخذ في طريق غير طريقه ، فيكون عمله ذلك سببا لسوء خاتمته وسوء عاقبته ، والعياذ بالله. قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (١).
وقد سمعت بقصة بلعام بن باعوراء حيث آتاه الله آياته فانسلخ منها فأتبعه الشيطان إلى آخر الآيات.
فهذا ظاهر إذا اغتر بالبدعة من حيث هي معصية ، فإذا نظرنا إلى كونها بدعة فذلك أعظم ، لأن المبتدع مع كونه مصرّا على ما نهي عنه يزيد على المصر بأنه معارض للشريعة بعقله ، غير مسلم لها في تحصيل أمره ، معتقدا في المعصية أنها طاعة ، حيث حسن ما قبحه الشارع ، وفي الطاعة أنها لا تكون طاعة إلا بضميمة نظره ، فهو قد قبح ما حسنه الشارع ، ومن كان هكذا فحقيق بالقرب من سوء الخاتمة إلا ما شاء الله. وقد قال تعالى في جملة من ذم : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) (٢) ، والمكر جلب السوء من حيث لا يفطن له ، وسوء الخاتمة من مكر الله ، إذ يأتي الإنسان من حيث لا يشعر به ، اللهم إنا نسألك العفو والعافية.
__________________
(١) سورة : الرعد ، الآية : ١١.
(٢) سورة : الأعراف ، الآية : ٩٩.