الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) (١).
وما زال عليه الصلاة والسلام يدعو لها ، فيئوب إليه الواحد بعد الواحد على حكم الاختفاء ، خوفا من عادية الكفار ، زمان ظهورهم على دعوة الإسلام ، فلما اطلعوا على المخالفة أنفوا ، وقاموا وقعدوا ، فمن أهل الإسلام من لجأ إلى قبيلة فحموه على إغماض ، أو على دفع العار في الإخفار (٢). ومنهم من فرّ من الإذاية وخوف الغرة ؛ هجرة إلى الله وحبا في الإسلام. ومنهم من لم يكن له وزر (٣) يحميه ، ولا ملجأ يركن إليه ، فلقي منهم من الشدة والغلظة والعذاب أو القتل ما هو معلوم ، حتى زلّ منهم من زل فرجع أمره بسبب الرجوع إلى الموافقة ، وبقي منهم من بقي صابرا محتسبا ، إلى أن أنزل الله تعالى الرخصة في النطق بكلمة الكفر على حكم الموافقة ظاهرا ، ليحصل بينهم وبين الناطق الموافقة ، وتزول المخالفة ، فنزل إليها من نزل على حكم التّقيّة ، ريثما يتنفس من كربه ويتروح من خناقه ، وقلبه مطمئن بالإيمان. وهذه غربة أيضا ظاهرة ، وإنما كان هذا جهلا منهم بمواقع الحكمة ، وأن ما جاءهم به نبيهم صلىاللهعليهوسلم هو الحق ضد ما هم عليه ، فمن جهل شيئا عاداه ، فلو علموا لحصل الوفاق ، ولم يسمع الخلاف ، ولكن سابق القدر حتّم على الخلق ما هم عليه قال الله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) (٤).
ثم استمرّ تزيّد الإسلام ، واستقام طريقه على مدة حياة النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومن بعد موته ؛ وأكثر قرن الصحابة رضي الله عنهم ، إلى أن نبغت فيهم نوابغ الخروج عن السّنة ، وأصغوا إلى البدع المضلة كبدعة القدر (٥) وبدعة الخوارج (٦) وهي التي نبّه عليها الحديث بقوله :
__________________
(١) سورة : الشورى ، الآية : ١٣.
(٢) الإخفار : الحماية.
(٣) وزر : ملجأ.
(٤) سورة : هود ، الآيتان : ١١٨ ـ ١١٩.
(٥) القدرية : فرقة ينكرون القدر ويقولون إن كل إنسان خالق لفعله.
(٦) الخوارج : فرقة خرجوا على الإمام علي وخالفوا رأيه.