«يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم» (١) يعني : لا يتفقهون فيه ، بل يأخذونه على الظاهر ، كما بيّنه حديث ابن عمر الآتي بحول الله. وهذا كله في آخر عهد الصحابة.
ثم لم تزل الفرق تكثر حسبما وعد به الصادق صلىاللهعليهوسلم في قوله : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» (٢) وفي الحديث الآخر : «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لا تبعتموهم» قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال : «فمن؟» (٣) وهذا أعم من الأول فإن الأول عند كثير من أهل العلم خاص بأهل الأهواء وهذا الثاني عام في المخالفات ، ويدل على ذلك من الحديث قوله : «حتى لو دخلوا في جحر ضب لا تبعتموهم».
وكل صاحب مخالفة فمن شأنه أن يدعو غيره إليها ، ويحض سؤاله بل سواه عليها ، إذ التأسي في الأفعال والمذاهب موضوع طلبه في الجبلة ، وبسببه تقع في المخالف المخالفة ، وتحصل من الموافق المؤالفة ، ومنه تنشأ العداوة والبغضاء للمختلفين.
كان الإسلام في أوله وجدته مقاوما بل ظاهرا ، وأهله غالبون وسوادهم أعظم
__________________
(١) أخرجه البخاري بنحوه في كتاب : فضائل القرآن ، باب : إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل به ، وفي كتاب : أحاديث الأنبياء ، باب : علامات النبوة في الإسلام ، وفي كتاب : الأدب ، باب : ما جاء في قول الرجل : ويلك ، وفي كتاب : استتابة المرتدين ، باب : قتال الخوارج ، باب : من ترك قتال الخوارج للتآلف وأن لا ينفر الناس عنه (الحديث : ٩ / ٨٦). وأخرجه مسلم في كتاب : الزكاة ، باب : ذكر الخوارج وصفاتهم (الحديث : ١٠٦٤). وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب : القرآن ، باب : ما جاء في القرآن (الحديث : ١ / ٢٠٤ ، ٢٠٥). وأخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : في قتال الخوارج (الحديث : ٤٧٦٤). وأخرجه النسائي في كتاب : الزكاة ، باب : في المؤلفة قلوبهم ، وفي كتاب : تحريم الدم ، باب : من شهر سيفه ثم وضعه (الحديث : ٥ / ٨٧).
(٢) أخرجه الترمذي في كتاب : الإيمان ، باب : ما جاء في افتراق هذه الأمة ، وقال : حسن صحيح (الحديث : ٢٦٤٢). وأخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : شرح السنة (الحديث : ٤٥٩٦).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب : الاعتصام ، باب : قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لتتبعن سنن من كان قبلكم» ، وفي كتاب : أحاديث الأنبياء ، باب : ما ذكر عن بني إسرائيل (الحديث : ١٣ / ٢٥٥). وأخرجه مسلم في كتاب : العلم ، باب : اتباع سنن اليهود والنصارى (الحديث : ٢٦٦٩).