المفسرين قالوا : إنما نزلت في رجل من المنافقين ، أو في رجل من الأنصار.
وقال سبحانه : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) (١). فهم شرعوا شرعة ؛ وابتدعوا في ملة إبراهيم عليهالسلام هذه البدعة ، توهما أن ذلك يقربهم من الله كما يقرب من الله ما جاء به إبراهيم عليهالسلام من الحق ، فزلوا وافتروا على الله الكذب ، إذ زعموا أن هذا من ذلك ، وتاهوا في المشروع ، فلذلك قال الله تعالى على أثر الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (٢) ، وقال سبحانه : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ) (٣) ، فهذه فذلكة لجملة بعد تفصيل تقدم ، وهو قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) (٤) ، الآية. فهذا تشريع كالمذكور قبل هذا ، ثم قال : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) (٥) ، وهو تشريع أيضا بالرأي مثل الأول ، ثم قال : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ) (٦) ، إلى آخرها ، فحاصل الأمر أنهم قتلوا أولادهم بغير علم وحرموا ما أعطاهم الله من الرزق بالرأي على جهة التشريع فلذلك قال تعالى : (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (٧) ، ثم قال تعالى بعد تعزيزهم على هذه المحرمات التي حرموها وهي ما في قوله : (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) ، إلى قوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٨) ، وقوله : (لا يَهْدِي) يعني : أنه يضله.
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآية : ١٠٣.
(٢) سورة : المائدة ، الآية : ١٠٥.
(٣) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٠.
(٤) سورة : الأنعام ، الآية : ١٣٦.
(٥) سورة : الأنعام ، الآية : ١٣٧.
(٦) سورة : الأنعام ، الآية : ١٣٨.
(٧) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٠.
(٨) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٤.