والآيات التي قرر فيها حال المشركين في إشراكهم أتى فيها بذكر الضلال لأن حقيقته أنه خروج عن الصراط المستقيم ، لأنهم وضعوا آلهتهم لتقربهم إلى الله زلفى في زعمهم ، فقالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (١) ، فوضعوهم موضع من يتوسل به حتى عبدوهم من دون الله ، إذ كان أول وضعها فيما ذكر العلماء صورا لقوم يودونهم ويتبركون بهم ثم عبدت فأخذتها العرب من غيرها على ذلك القصد ، وهو الضلال المبين.
وقال تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) (٢) ، فزعموا في الإله الحق ما زعموا من الباطل ، بناء على دليل عندهم متشابه في نفس الأمر حسبما ذكره أهل السير ، فتاهوا بالشبهة عن الحق ، لتركهم الواضحات ، وميلهم إلى المتشابهات ، كما أخبر الله تعالى في آية آل عمران ؛ فلذلك قال تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (٣) ، وهم النصارى ، ضلوا في عيسى عليهالسلام ، ومن ثم قال تعالى بعد ذكر شواهد العبودية في عيسى : (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) (٤). وبعد ذكر دلائل التوحيد وتقديس الواحد تبارك وتعالى عن اتخاذ الولد وذكر اختلافهم في مقالاتهم الشنيعة قال : (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٥).
وذكر الله المنافقين وأنهم يخادعون الله والذين آمنوا ، وذلك لكونهم يدخلون معهم في أحوال التكاليف على كسل وتقيّة أن ذلك يخلصهم ، أو أنه يغني عنهم شيئا وهم في الحقيقة إنما يخادعون أنفسهم ، وهذا هو الضلال بعينه ، لأنه إذا كان يفعل شيئا يظن أنه له ، فإذا هو عليه ، فليس على هدى من عمله ، ولا هو سالك على سبيله ، فلذلك قال :
__________________
(١) سورة : الزمر ، الآية : ٣.
(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٧٣.
(٣) سورة : المائدة ، الآية : ٧٧.
(٤) سورة : مريم ، الآية : ٣٤.
(٥) سورة : مريم : الآية : ٣٨.