وكذلك السنن المختلفة ، كالقول بالقرعة وخلافه ، والقول بالسعاية وخلافه ، وقتل المؤمن بالكافر ، ولا يقتل مؤمن بكافر ، وبأيّ ذلك أخذ الفقيه فهو مصيب. قال : ولو قال قائل : إن القاتل في النار ، كان مصيبا ، ولو قال : في الجنة ، كان مصيبا ، ولو وقف وأرجأ أمره كان مصيبا إذا كان إنما يريد بقوله إن الله تعبّده بذلك وليس عليه علم الغيب.
قال ابن أبي خيثمة : أخبرني سليمان بن أبي شيخ قال : كان عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن أبي الحريقي العنبري البصري اتهم بأمر عظيم ، روي عنه كلام رديء.
قال بعض المتأخرين : هذا الذي ذكره ابن أبي شيخ عنه قد روي أنه رجع عنه لمّا تبين له الصواب ، وقال : إذا أرجع وأنا من الأصاغر ، ولأن أكون ذنبا في الحق ، أحب إليّ أن أكون رأسا في الباطل اه.
فإن ثبت عنه ما قيل فيه فهو على جهة الزلة من العالم ، وقد رجع عنها رجوع الأفاضل إلى الحق ، لأنه بحسب ظاهر حاله فيما نقل عنه إنما اتبع ظواهر الأدلة الشرعية فيما ذهب إليه ، ولم يتبع عقله ، ولا صادم الشرع بنظره ، فهو أقرب من مخالفة الهوى ، ومن ذلك الطريق ـ والله أعلم ـ وفق إلى الرجوع إلى الحق.
وكذلك يزيد الفقير فيما ذكر عنه ، لا كما عارض الخوارج عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، إذ طالبه بالحجة ، فقال بعضهم : لا تخاصموه فإنه ممن قال الله فيه : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) (١) ، فرجحوا المتشابه على المحكم ، وناصبوا بالخلاف السواد الأعظم.
وأما إن لم يصح بمسبار (٢) العلم أنه من المجتهدين فهو الحري باستنباط ما خالف الشرع كما تقدم ، إذ قد اجتمع له مع الجهل بقواعد الشرع ، الهوى الباعث عليه في الأصل ، وهو التبعية ، إذ قد تحصل له مرتبة الإمامة والاقتداء ، وللنفس فيها من اللذة ما لا مزيد عليه ، ولذلك يعسر خروج حب الرئاسة من القلب إذا انفرد ، حتى قال الصوفية : حب الرئاسة آخر ما يخرج من قلوب الصديقين ، بتفكيك إذا انضاف إليه الهوى من الأصل وانضاف إلى هذين الأمرين دليل ـ في ظنه ـ شرعي على صحة ما ذهب إليه ، فيتمكن الهوى من قلبه تمكنا لا
__________________
(١) سورة : الزخرف ، الآية : ٥٨.
(٢) المسبار : ما يعرف به غور الجرح أو الماء.