يمكن في العادة الانفكاك عنه ، وجرى منه مجرى الكلب من صاحبه ، كما جاء في حديث الفرق. فهذا النوع ظاهر أنه آثم في ابتداعه إثم من سنّ سنّة سيئة.
ومن أمثلته أن الإمامية من الشيعة تذهب إلى وضع خليفة دون النبي صلىاللهعليهوسلم ، وتزعم أنه مثل النبي صلىاللهعليهوسلم في العصمة ، بناء على أصل متوهم ، فوضعوه على أن الشريعة أبدا مفتقرة إلى شرح وبيان لجميع المكلفين ، إما بالمشافهة أو بالنقل ممن شافه المعصوم ، وإنما وضعوا ذلك بحسب ما ظهر لهم بادئ الرأي من غير دليل عقلي ولا نقلي ، بل بشبهة زعموا أنها عقلية ، وشبه من النقل باطلة ، إما في أصلها ، وإما في تحقيق مناطها ، وتحقيق ما يدعون ولما يرد عليهم به مذكور في كتب الأئمة ، وهو يرجع ـ في الحقيقة ـ إلى دعاو ، وإذا طولبوا بالدليل عليها سقط في أيديهم ، إذ لا برهان لهم من جهة من الجهات.
وأقوى شبههم مسألة اختلاف الأمة وأنه لا بدّ من واحد يرتفع به الخلاف ، أن الله يقول : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) (١) ، ولا يكون كذلك إلا إذا أعطي العصمة كما أعطيها النبي صلىاللهعليهوسلم ، لأنه وارث ، وإلا فكل محق أو مبطل يدعي أنه المرحوم ، وأنه الذي وصل إلى الحق دون من سواه فإن طولبوا بالدليل على العصمة لم يأتوا بشيء غير أن لهم مذهبا يخفونه ولا يظهرونه إلا لخواصهم ، لأنه كفر محض ودعوى بغير برهان.
قال ابن العربي في كتاب العواصم : خرجت من بلادي على الفطرة ، فلم ألق في طريقي إلا مهتديا ، حتى بلغت هذه الطائفة ـ يعني : الإمامية والباطنية من فرق الشيعة ـ فهي أول بدعة لقيت ، ولو فاجأتني بدعة مشبهة كالقول بالمخلوق أو نفي الصفات أو الإرجاء لم آمن الشيطان. فلما رأيت حماقاتهم أقمت على حذر ، وترددت فيها على أقوام أهل عقائد سليمة ، ولبثت بينهم ثمانية أشهر ، ثم خرجت إلى الشام فوردت بيت المقدس فألفيت فيها ثماني وعشرين حلقة ومدرستين ـ مدرسة الشافعية بباب الأسباط وأخرى للحنفية ـ وكان فيها من رءوس العلماء المبتدعة ومن أحبار اليهود والنصارى كثير ، فوعيت العلم وناظرت كل طائفة بحضرة شيخنا أبي بكر الفهري وغيره من أهل السنّة.
ثم نزلت إلى الساحل لأغراض وكان مملوءا من هذه النحل الباطنية والإمامية ، فطفت
__________________
(١) سورة : هود ، الآيتان : ١١٨ ـ ١١٩.