فكذلك قوله : «من سن سنة حسنة» (١) أي من اخترعها من نفسه لكن بشرط أن تكون حسنة فله من الأجر ما ذكر ، فليس المراد : من عمل سنّة ثابتة.
وإنما العبارة عن هذا المعنى أن يقال : من عمل بسنتي أو سنّة من سنتي ، وما أشبه ذلك. كما خرّج الترمذي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لبلال بن الحارث : «اعلم» قال : أعلم يا رسول الله (؟) ، قال : «اعلم يا بلال» قال : أعلم يا رسول الله ، قال : «إنه من أحيا سنّة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي الله ورسوله كان عليه مثل إثم من عمل بها لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئا» (٢) حديث حسن.
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا بني ، إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل ـ ثم قال لي ـ : يا بني وذلك من سنتي ، ومن أحيا سنتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة» (٣) حديث حسن.
فقوله : «من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي» واضح في العمل بما ثبت أنه سنة ، وكذلك قوله : «من أحيا سنتي فقد أحبني» ، ظاهر في السنن الثابتة ، بخلاف قوله : من سن كذا ، فإنه ظاهر في الاختراع أولا من غير أن يكون ثابتا في السنة.
وأما قوله لبلال بن الحارث : «ومن ابتدع بدعة ضلالة» فظاهر أن البدعة لا تذم بإطلاق بل بشرط أن تكون ضلالة ، وأن تكون لا يرضاها الله ورسوله ، فاقتضى هذا كله أن البدعة إذا لم تكن كذلك لم يلحقها ذم ، ولا تبع صاحبها وزر ، فعادت إلى أنها سنة حسنة ، ودخلت تحت الوعد بالأجر.
والثاني : أن السلف الصالح رضي الله عنهم ـ وأعلاهم الصحابة ـ قد عملوا بما لم يأت به كتاب ولا سنّة مما رأوه حسنا وأجمعوا عليه ، ولا تجتمع أمة محمد صلىاللهعليهوسلم على ضلالة ، وإنما يجتمعون على هدى وما هو حسن.
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ١٤٣ ، الحاشية : ١.
(٢) تقدم تخريجه ص : ١٩ ، الحاشية : ١.
(٣) تقدم تخريجه ص : ١٩ ، الحاشية : ١.