فقد أجمعوا على جمع القرآن وكتبه في المصاحف ، وعلى جمع الناس على المصاحف العثمانية ، واطّراح ما سوى ذلك من القراءات التي كانت مستعملة في زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يكن في ذلك نص ولا حظر ، ثم اقتفى الناس أثرهم في ذلك الرأي الحسن ، فجمعوا العلم ودونوه وكتبوه ، ومن سبّاقهم في ذلك مالك بن أنس رضي الله عنه ، وقد كان من أشدهم اتّباعا وأبعدهم من الابتداع.
هذا وإن كان قد نقل عنهم كراهية كتب العلم من الحديث وغيره ، فإنما هو محمول إما على الخوف من الاتكال على الكتب استغناء به عن الحفظ والتحصيل ، وإما على ما كان رأيا دون ما كان نقلا من كتاب أو سنّة.
ثم اتفق الناس بعد ذلك على تدوين الجميع لما ضعف الأمر ، وقلّ المجتهدون في التحصيل ، فخافوا على الدين جملة.
قال اللخمي لما ذكر كلام مالك وغيره في كراهية بيع كتب العلم والإجارة على تعليمه ، وخرّج عليه الإجارة على كتبه ، وحكى الخلاف وقال : لا أرى اليوم أن يختلف في ذلك أنه جائز ، لأن حفظ الناس وأفهامهم قد نقصت ، وقد كان كثير ممن تقدم ليست لهم كتب.
قال مالك : ولم يكن للقاسم ولا لسعيد كتب ، وما كنت أقرأ على أحد يكتب في هذه الألواح ، ولقد قلت لابن شهاب : أكنت تكتب العلم؟ فقال : لا ، فقلت : أكنت تحب أن يقيدوا عليك الحديث؟ فقال : لا. فهذا كان شأن الناس فلو سار الناس سيرتهم لضاع العلم ولم يكن بيننا منه ولو رسمه أو اسمه ، وهذا الناس اليوم يقرءون كتبهم ، ثم هم في التقصير على ما هم عليه.
وأيضا فإنه لا خلاف عندنا في مسائل الفروع أن القول فيها بالاجتهاد والقياس واجب ، وإذا كان كذلك كان إهمال كتبها وبيعها يؤدي إلى التقصير في الاجتهاد وأن لا يوضع مواضعه ، لأن في معرفة أقوال المتقدمين والترجيح بين أقاويلهم قوى وزيادة في وضع الاجتهاد مواضعه.
انتهى ما قاله اللخمي ، وفيه إجازة العمل بما لم يكن عليه من تقدم لأن له وجها