صحيحا ، فكذلك نقول : كل ما كان من المحدثات له وجه صحيح فليس بمذموم ، بل هو محمود ، وصاحبه الذي سنه ممدوح ، فأين ذمها بإطلاق أو على العموم؟
وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
فأجاز ـ كما ترى ـ إحداث الأقضية واختراعها على قدر اختراع الفجار للفجور ، وإن لم يكن لتلك المحدثات أصل ، وقتل الجماعة بالواحد وهو محكيّ عن عمر وعلي وابن عباس والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم.
وأخذ مالك وأصحابه بقول الميت : دمي عند فلان ، ولم يأت له في الموطأ بأصل سماعيّ ، وإنما علل مصطلحي ، وفي مذهبه من ذلك مسائل كثيرة ، فإن كان ذلك جائزا مع أنه مخترع ، فلم لا يجوز مثله ـ وقد اجتمعا في العلة ـ لأن الجميع مصالح معتبرة في الجملة ، وإن لم يكن شيء من ذلك جائزا فلم اجتمعوا على جملة وفرع غيرهم على بعضها؟
ولا يبقى إلا أن يقال : إنهم يتابعون على ما عمل هؤلاء دون غيرهم وإن اجتمعا في العلة المسوغة للقياس ، وعند ذلك يصير الاقتصار تحكما ، وهو باطل فما أدى إليه مثله ، فثبت أن البدع تنقسم.
فالجواب وبالله التوفيق أن نقول :
أما الوجه الأول : وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : «من سنّ سنة حسنة» الحديث ، فليس المراد به الاختراع البتة ، وإلا لزم من ذلك التعارض بين الأدلة القطعية ـ إن زعم مورد السؤال أن ما ذكره من الدليل مقطوع به ، فإن زعم أنه مظنون فيما تقدم من الدليل على ذم البدع مقطوع به ، فيلزم التعارض بين القطعي والظني ، والاتفاق من المحققين ، ولكن فيه بحثا ـ أو نظرا ـ من وجهين :
أحدهما : أنه يقال : إنه من قبيل المتعارضين ، إذ تقدم أولا أن أدلة الذم تكرر عمومها في أحاديث كثيرة من غير تخصيص ، وإذا تعارضت أدلة العموم والتخصيص ، لم يقبل بعد ذلك التخصيص.
والثاني : على التنزل لفقد التعارض ، فليس المراد بالحديث الاستنان بمعنى