الاختراع ، وإنما المراد به العمل بما ثبت من السنة النبوية ، وذلك لوجهين :
أحدهما : أن السبب الذي جاء لأجله الحديث هو الصدقة المشروعة ، بدليل ما في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم في صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار ـ أو العباء ـ متقلدي السيوف ، عامتهم مضر ، بل كلهم من مضر ، فتمعّر وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما رآهم من الفاقة ، فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذّن وأقام ، فصلى ثم خطب فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) (١) الآية ، والآية في سورة الحشر : (اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) (٢) ، تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بره ، من صاع تمره» ، حتى قال : «ولو بشق تمرة» قال : فجاءه رجل من الأنصار بصره كادت كفه تعجز عنها ، بل قد عجزت ، قال : ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ، حتى رأيت وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتهلل كأنه مذهبة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنّ سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (٣).
فتأملوا أين قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من سنّ سنّة سيئة»؟ تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه حتى بتلك الصرّة ، فانفتح بسبب باب الصدقة على الوجه الأبلغ ، فسر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى قال : «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة» الحديث ، فدلّ على أن السنة هاهنا مثل ما فعل ذلك الصحابي وهو العمل بما ثبت كونه سنّة ، وأن الحديث مطابق لقوله في الحديث الآخر : «من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي» ـ الحديث إلى قوله ـ : «ومن ابتدع بدعة ضلالة» (٤) فجعل مقابل تلك السنة : الابتداع ، فظهر أنّ السنة الحسنة ليست بمبتدعة ، وكذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «ومن أحيا سنتي فقد
__________________
(١) سورة : النساء ، الآية : ١.
(٢) سورة : الحشر ، الآية : ١٨.
(٣) تقدم تخريجه ص : ٥٣ ، الحاشية : ٢.
(٤) أخرجه الترمذي في كتاب : العلم ، باب : ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (الحديث :
٢٦٧٧).