ثم نقول ثالثا : إن هذه المسائل وأشباهها قد صارت مع ظاهر الشريعة كالمدافعة فيحمل كلام الصوفية وأعمالهم مثلا على أنها مستندة إلى دلائل شرعية ، إلا أنه عارضها في النقل أدلة أوضح منها في أفهام المتفهمين ، وأنظار المجتهدين ، وأجرى على المعهود في سائر أصناف العلماء ، وأنظر في ألفاظ الشارع مما ظنناه مستند القوم. وإذا تعارضت الأدلة ولم يظهر في بعضها نسخ فالواجب الترجيح ، وهو إجماع من الأصوليين أو كالإجماع ، وفي مذهب القوم العمل بالاحتياط هو الواجب ، كما أنه مذهب غيرهم ، فوجب بحسب الجريان على آرائهم في السلوك أن لا يعمل بما يسموه مما فيه معارضة لأدلة الشرع ، ونكون في ذلك متبعين لآثارهم ، مهتدين بأنوارهم ، خلافا لمن يعرض عن الأدلة ويصمم على تقليدهم فيما لا يصح تقليدهم فيه على مذهبهم ، فالأدلة والأنظار الفقهية والرسوم الصوفية ترده وتذمه ، وتحمد من تحرّى واحتاط عند الاشتباه واستبرأ لدينه وعرضه.
وبقي الكلام على أعيان ما ذكر في السؤال من أقوالهم وعوائدهم وما يتنزل منها على مقتضى الأدلة ، وكيف وجه تنزيلها ، لا حاجة لنا إليه في هذا الموضع ، وقد بسط الكلام على جملة منها في كتاب (الموافقات) (١) ، وإن فسح الله في المدة وأعان بفضله بسطنا الكلام في هذا الباب في كتاب مذهب أهل التصوف ، وبيان ما أدخل فيه مما ليس بطريق لهم ، والله الموفق للصواب.
وقد تبين أن لا دليل في شيء مما يحكم به على بدعتهم والحمد لله.
__________________
(١) كتاب الموافقات للشاطبي.