فالصوفية كغيرهم ممن لم تثبت له العصمة ، فيجوز عليهم الخطأ والنسيان والمعصية كبيرتها وصغيرتها ، فأعمالهم لا تعدو الأمرين.
ولذلك قال العلماء : كل كلام مأخوذ أو متروك ، إلا ما كان من كلام النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقد قرر ذلك القشيري أحسن تقرير ، فقال :
فإن قيل : فهل يكون الوليّ معصوما حتى لا يصر على الذنوب؟
قيل : أما وجوبا كما يقال في الأنبياء فلا ، وأما أن يكون محفوظا حتى لا يصر على الذنوب ـ وإن حصلت منهم آفات أو زلات ـ فلا يمتنع ذلك في وصفهم ، قال : لقد قيل للجنيد : أيزني العارف؟ فأطرق مليا ، ثم رفع رأسه وقال : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (١).
فهذا كلام منصف ، فكما يجوز على غيرهم المعاصي فالابتداع وغيره كذلك يجوز عليهم ، فالواجب علينا أن نقف مع الاقتداء بمن يمتنع عليه الخطأ. ونقف على الاقتداء بمن لا يمتنع عليه الخطأ إذا ظهر في الاقتداء به إشكال ، بل نعرض ما جاء على الأئمة على الكتاب والسنة ، فما قبلاه قبلناه ، وما لم يقبلاه تركناه ، ولا علينا إذا قام لنا الدليل على اتباع الشرع ، ولم يقم لنا دليل على اتباع أقوال الصوفية وأعمالهم إلا بعد عرضها ، وبذلك وصى شيوخهم ، وإن كان ما جاء به صاحب الوجد والذوق من الأحوال والعلوم والفهوم فليعرض على الكتاب والسنة ، فإن قبلاه صح ، وإلا لم يصح ، فكذلك ما رسموه من الأعمال وأوجه المجاهدات ، وأنواع الالتزامات.
ثم نقول ثانيا : إذا نظرنا في رسومهم التي حدوا ، وأعمالهم التي امتازوا بها عن غيرهم بحسب تحسين الظن والتماس أحسن المخارج ولم نعرف لها مخرجا فالواجب علينا التوقف عن الاقتداء والعمل وإن كانوا من جنس من يقتدى بهم ، لا ردا لهم واعتراضا ، بل لأنا لم نفهم وجه رجوعه إلى القواعد الشرعية كما فهمنا غيره ، ألا ترى أنا نتوقف عن العمل بالأحاديث النبوية التي يشكل علينا وجه الفقه فيها؟ فإن سنح بعد ذلك للعمل بها وجه جار على الأدلة قبلناه ، وإلا فلسنا مطلوبين بذلك ، ولا ضرر علينا في التوقف ، لأنه توقف مسترشد ، لا توقف راد مقترح ، فالتوقف هنا بترك العمل أولى وأحرى.
__________________
(١) سورة : الأحزاب ، الآية : ٣٨.