أصحابه حتى قال : «من رغب عن سنتي فليس مني» (١).
وإذا تؤمّل ما ذكروه في شأن التدريج في ترك الغذاء وجده غير معهود في الزمان الأول ، والقرن الأفضل.
ومن ذلك أشياء ألزموها المريد حالة السماع ، من طرح الخرق ، وإن من حق المريد أن لا يرجع في شيء خرج عنه البتة ، إلا أن يشير عليه الشيخ بالرجوع فيه ، فليأخذه على نية العارية بقلبه ، ثم يخرج عنه بعد ذلك من غير أن يوحش قلب الشيخ ، إلى أشياء اخترعوها في ذلك لم يعهد مثلها في الزمان الأول ، وذلك من نتائج مجالس السماع الذي اعتمدوه. والسماع في طريقة التصوف ليس منها لا بالأصل ، ولا بالتبع ، ولا استعمله أحد من السلف ممن يشار إليه حاذيا في طريق الخير ، وإنما رأيته مأخوذا به في ذلك ، وفي غيره عند الفلاسفة الآخذة للتكليف الشرعي.
ولو تتبع هذا الباب لكثرت مسائله وانتشرت ، وظاهرها أنها استحسانات اتخذت بعد أن لم تكن والقوم ـ كما ترى ـ مستمسكون بالشرع ، فلولا أن مثل هذه الأمور لاحق بالمشروعات لكانوا أبعد الناس منها ، ويدل على أن من البدع ما ليس بمذموم ، بل أن منها ما هو ممدوح ، وهو المطلوب.
والجواب أن نقول :
أولا : كل ما عمل به المتصوفة المعتبرون في هذا الشأن لا يخلو إما أن يكون مما ثبت له أصل في الشريعة أم لا ، فإن كان له أصل فهم خلقاء به ، كما أن السلف من الصحابة والتابعين خلقاء بذلك ، وإن لم يكن له أصل في الشريعة فلا عمل عليه لأن السنة حجة على جميع الأمة ، وليس عمل أحد من الأمة حجة على السنة ، لأن السنة معصومة عن الخطأ ، وصاحبها معصوم ، وسائر الأمة لم تثبت لهم عصمة ، إلا مع إجماعهم خاصة ، وإذا اجتمعوا تضمن إجماعهم دليلا شرعيا كما تقدم التنبيه عليه.
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٢٩ ، الحاشية : ٢.