منها الحكم والفرض كقوله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) (١) ، وقال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) (٢) (وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ) (٣) ، فكان المعنى : لأقضين بينكما بكتاب الله ، أي بحكم الله الذي شرع لنا ، كما أن الكتاب يطلق على القرآن ، فتخصيصهم الكتاب بأحد المحامل من غير دليل اتباع لما تشابه من الأدلة.
وفي الحديث : «مثل أمتي كمطر لا يدرى أوله خير أم آخره؟» (٤) قالوا : فهذا يقتضي أنه لم يثبت لأول هذه الأمة فضل على الخصوص دون آخرها ولا العكس ثم نقل : «إن الإسلام بدئ غريبا وسيعود غريبا كما بدئ فطوبى للغرباء» (٥) ، فهذا يقتضي تفضيل الأولين والآخرين على الوسط. ثم نقل : «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (٦) ، فاقتضى أن الأولين أفضل على الإطلاق.
قالوا : فهذا تناقض ، وكذبوا ، ليس ثمّ تناقض ولا اختلاف.
وذلك أن التعارض إذا ظهر لبادي الرأي في المقولات الشرعية ، فإما أن لا يمكن الجمع بينهما أصلا ، وإما أن يمكن فإن لم يمكن فهذا الفرض بين قطعي وظني ، أو بين ظنيين ، فأما بين قطعيين فلا يقع في الشريعة ، ولا يمكن وقوعه ، لأن تعارض القطعيين
__________________
(١) سورة : النساء ، الآية : ٢٤.
(٢) سورة : البقرة ، الآية : ١٨٣.
(٣) سورة : النساء ، الآية : ٧٧.
(٤) أخرجه الترمذي في كتاب : الأمثال ، باب : مثل أمتي مثل المطر (الحديث : ٢٨٧٣). وأخرجه أحمد في المسند (٣ / ١٣٠ ، ١٤٣) من حديث أنس ومن حديث عمار بن ياسر (٤ / ٣١٩).
(٥) تقدم تخريجه ص : ٨ ، الحاشية : ١.
(٦) أخرجه البخاري في كتاب : الشهادات ، باب : لا يشهد على شهادة جور إذا شهد (الحديث : ٥ / ١٩٠). وأخرجه مسلم في كتاب : فضائل الصحابة ، باب : فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (الحديث : ٢٥٣٥). وأخرجه الترمذي في كتاب : الفتن ، باب : ما جاء في القرن الثالث (الحديث : ٢٢٢٢) ، وفي كتاب : الشهادات ، باب : خير القرون (الحديث : ٢٣٠٣). وأخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : في فضل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم (الحديث : ٤٦٥٧). وأخرجه النسائي في كتاب : الأيمان والنذور ، باب : الوفاء بالنذر (الأحاديث : ٧ / ١٧ ، ١٨).