محال ، فإن وقع بين قطعي وظني بطل الظني ، وإن وقع بين ظنيين فههنا للعلماء فيه الترجيح ، والعمل بالأرجح متعين ، وإن أمكن الجمع ـ فقد اتفق النظار على إعمال وجه الجمع ، وإن كان وجه الجمع ضعيفا ، فإن الجمع أولى عندهم ، وإعمال الأدلة أولى من إهمال بعضها ، فهؤلاء المبتدعة لم يرفعوا بهذا الأصل رأسا ، إما جهلا به أو عنادا.
فإذا ثبت هذا فقوله : «خير القرون قرني» (١) هو الأصل في الباب فلا يبلغ أحد منا مبلغ الصحابة رضي الله عنهم ، وما سواه يحتمل التأويل على حال أو زمان أو في بعض الوجوه.
وأما قوله : «فطوبى للغرباء» (٢) لا نص فيه على التفضيل المشار إليه ، بل هو دليل على جزاء حسن ، ويبقى النظر في كونهم مثل جزاء الصحابة أو دونه أو فوقه محتمل ، فليس في الحديث عليه دليل ، فلا بد من حمله على محكم الأصل الأول ولا إشكال.
ومن ذلك قولهم بالتناقض في قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تفضلوني على يونس بن متى ولا تخيروا بين الأنبياء وبيني» (٣) وقوله : «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» (٤) ووجه الجمع بينهما ظاهر.
ومنه أنهم قالوا في قوله صلىاللهعليهوسلم : «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا ، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» (٥). إن هذا الحديث يفسد آخره أوله ،
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٢٠٠ ، الحاشية : ٦.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٨ ، الحاشية : ١.
(٣) أخرجه نحوه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : في التخيير بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (الحديث : ٤٦٧٠).
(٤) أخرجه الترمذي في كتاب : المناقب ، باب : ٣ (الحديث : ٣٦١٨) وقال : حديث حسن.
(٥) أخرجه البخاري في كتاب : الوضوء ، باب : الاستجمار وترا (الأحاديث : ١ / ٢٢٩ ، ٢٣١). وأخرجه مسلم في كتاب : الطهارة ، باب : كراهة غمس المتوضّئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثا (الحديث : ٢٧٨). وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب : الطهارة ، باب : وضوء النائم إذا قام للصلاة (الحديث : ١ / ٢١). وأخرجه أبو داود في كتاب : الطهارة ، باب : في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها (الأحاديث : ١٠٣ ، ١٠٥). وأخرجه الترمذي في كتاب : الطهارة ، باب : ما جاء إذا استيقظ أحدكم في منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها (الحديث : ٢٤). وأخرجه النسائي في كتاب : الطهارة ، باب : تأويل قوله عزوجل. ـ