فكل من خالف هذا الأصل فقد خالف إطلاق الدليل أولا ، لأنه قيد فيه بالرأي ، وخالف من كان أعرف منه بالشريعة وهم السلف الصالح رضي الله عنهم ، بل كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يترك العمل وهو يحب أن يعمل به خوفا أن يعمل به الناس فيفرض عليهم.
وفي فصل من (الموافقات) جملة من هذا ، وهو مزلة قدم ، فقد يتوهم أن إطلاق اللفظ يشعر بجواز كل ما يمكن في مدلوله وقوعا وليس خصوصا في العبادات ، فإنها محمولة على التعبد على حسب ما تلقى عن النبي صلىاللهعليهوسلم والسلف الصالح ، كالصلوات حين وضعت بعيدة عن مدارك العقول في أركانها وترتيبها وأزمانها وكيفياتها ومقاديرها ، وسائر ما كان مثلها ـ حسبما يذكر في باب المصالح المرسلة من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ـ فلا يدخل العبادات الرأي والاستحسان هكذا مطلقا لأنه كالمنافي لوضعها ، ولأن العقول لا تدرك معانيها على التفصيل.
وكذلك حافظ العلماء على ترك إجراء القياس فيها ، كمالك بن أنس رضي الله عنه ، فإنه حافظ على طرح الرأي جدا ، ولم يعمل فيها من أنواع القياس إلا قياس نفي الفارق حيث اضطر إليه ، وكذلك غيره من العلماء ، وإن تفاوتوا فهم محافظون جميعا في العبادات على الاتباع لنصوصها ومنقولاتها ، بخلاف غيرها فبحسبها لا مطلقا ، فإن الإنسان قد أمر بذلك في الجملة ـ مثلا ـ فالمخصص كالمخالف لمفهوم التوسعة ، وإن لم يفهم من ذلك توسعة فلا بد من الرجوع إلى أصل الوقف مع المنقول ، لأنا إن خرجنا عنه شككنا في كون العبادة على ذلك الوجه مشروعة على الطريقتين المنبه عليهما في كتاب الموافقات ، فيتعين الرجوع إلى المنقول وقوفا معه من غير زيادة ولا نقصان.
ثم إذا فهمنا التوسعة ، فلا بد من اعتبار أمر آخر ، وهو أن يكون العمل بحيث لا يوهم التخصيص زمانا دون غيره ، أو مكانا دون غيره ، أو كيفية دون غيرها أو يوهم انتقال الحكم من الاستحباب ـ مثلا ـ إلى السنّة أو الفرض ، لأنه قد يكون الدوام عليه على كيفية ما ، في مجامع الناس أو مساجد الجماعات أو نحو ذلك موهما لكونه سنّة أو فرضا ... بل هو كذلك.
ألا ترى أن كل ما أظهره رسول الله صلىاللهعليهوسلم وواظب عليه في جماعة إذا لم يكن فرضا فهو سنّة عند العلماء ، كصلاة العيدين والاستسقاء والكسوف ونحو ذلك؟ بخلاف قيام الليل