تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (١). والمعتدون في التفسير هم الرافعون أصواتهم بالدعاء.
وعن أبي موسى قال : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أربعوا على أنفسكم ، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا تدعون سميعا قريبا ، وهو معكم» (٢). وهذا الحديث من تمام تفسير الآية ، ولم يكونوا رضي الله عنهم يكبرون على صوت واحد ، ولكنه نهاهم عن رفع الصوت ليكونوا ممتثلين للآية. وقد جاء عن السلف أيضا النهي عن الاجتماع على الذكر ، والدعاء بالهيئة التي يجتمع عليها هؤلاء المبتدعون وجاء عنهم النهي عن المساجد المتخذة لذلك ، وهي الربط التي يسمونها بالصّفة. ذكر من ذلك ابن وهب وابن وضاح وغيرهما ما فيه كفاية لمن وفقه الله.
فالحاصل من هؤلاء : أنهم حسنوا الظن بأنهم فيما هم عليه مصيبون ، وأساءوا الظن بالسلف الصالح أهل العمل الراجح الصريح ، وأهل الدين الصحيح ، ثم لما طالبهم لسان الحال بالحجة أخذوا كلام المجيب وهم لا يعلمون ، وقوّلوه ما لا يرضى به العلماء.
وقد بين ذلك في كلام آخر إذ سئل عن ذكر فقراء زماننا ، فأجاب بأن مجالس الذكر المذكورة في الأحاديث أنها هي التي يتلى فيها القرآن ، والتي يتعلم فيها العلم والدين ، والتي تعمر بالعلم والتذكير بالآخرة والجنة والنار. كمجالس سفيان الثوري ، والحسن ، وابن سيرين ، وأضرابهم.
أما مجالس الذكر اللساني فقد صرح بها في حديث الملائكة السياحين ، لكن لم يذكر فيه جهرا بالكلمات ، ولا رفع أصوات ، وكذلك غيره. لكن الأصل المشروع إعلان الفرائض وإخفاء النوافل ، وأتى بالآية وبقوله تعالى : (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) (٣) ، وبحديث : «أربعوا
__________________
(١) سورة : الأعراف ، الآية : ٥٥.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٢٠٣ ، الحاشية : ٣.
(٣) سورة : مريم ، الآية : ٣.