تدري إيش تقول هذه البكرة؟ فقلت : لا ، فقال : تقول الله.
فهذه الحكايات وأشباهها تدل على أن السماع عندهم كما تقدم ، وأنهم لا يؤثرون سماع الأشعار على غيرها فضلا على أن يتصنعوا فيها بالأغاني المطربة ، ولما طال الزمان وبعدوا عن أحوال السلف الصالح ، أخذ الهوى في التفريع في السماع حتى صار يستعمل منه المصنوع على قانون الألحان ، فتعشقت به الطباع ، وكثر العمل به ودام ـ وإن كان قصدهم به الراحة فقط ـ فصار قذى في طريق سلوكهم فرجعوا به القهقرى ، ثم طال الأمد حتى اعتقده الجهال في هذا الزمان وما قاربه أنه قربة ، وجزء أجزاء طريقة التصوف ، وهو الأدهى.
وقول المجيب : وأما من دعا طائفة إلى منزله فتجاب دعوته وله في دعوته قصد مطابق حسب ما ذكر أولا ، بأن من دعا قوما إلى منزله لتعلم آية أو سورة من كتاب الله ، أو سنّة من سنن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو مذاكرة في علم أو في نعم الله ، أو مؤانسة في شعر فيه حكمة ليس فيه غناء مكروه ولا صحبه شطح ولا زفن ولا صياح ، وغير ذلك من المنكرات ، ثم ألقى إليهم شيئا من الطعام على غير وجه التكلف والمباهاة ، ولم يقصد بذلك بدعة ، ولا امتيازا لفرقة تخرج بأفعالها وأقوالها عن السنة فلا شك في استحسان ذلك ، لأنه داخل في حكم المأدبة المقصود بها حسن العشرة بين الجيران والإخوان ، والتودد بين الأصحاب ، وهي في حكم الاستحباب ، فإن كان فيها تذاكر في علم أو نحوه ، فهي من باب التعاون على الخير.
ومثاله ما يحكى عن محمد بن حنيف ، قال : دخلت يوما على القاضي علي بن أحمد ، فقال لي : يا أبا عبد الله! قلت : لبيك أيها القاضي ، قال : هاهنا أحكي لكم حكاية تحتاج أن تكتبها بماء الذهب ، فقلت : أيها القاضي! أما الذهب فلا أجده ، ولكني أكتبها بالحبر الجيد ، فقال : بلغني أنه قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : أن الحارث المحاسبي يتكلم في علوم الصوفية ويحتج عليه بالآي ، فقال أحمد : أحب أن أسمع كلامه من حيث لا يعلم ، فقال أنا أجمعك معه ، فاتخذ دعوة ودعا الحارث وأصحابه ، ودعا أحمد ، فجلس بحيث يرى الحارث ، فحضرت الصلاة ، فتقدم وصلى بهم المغرب ، وأحضر الطعام ، فجعل يأكل ويتحدث معهم ، فقال أحمد : هذا من السنّة.
فلما فرغوا من الطعام وغسلوا أيديهم جلس الحارث وجلس أصحابه ، فقال : من أراد