فإن قيل : فإن تصنيفها على ذلك الوجه مخترع.
فالجواب : أن له أصلا في الشرع ، ففي الحديث ما يدل عليه ، ولو سلم أنه ليس في ذلك دليل على الخصوص ، فالشرع بجملته يدل على اعتباره ، وهو مستمد من قاعدة المصالح المرسلة ، وسيأتي بسطها بحول الله.
فعلى القول بإثباتها أصلا شرعيّا لا إشكال في أن كل علم خادم للشريعة داخل تحت أدلته التي ليست بمأخوذة من جزئي واحد. فليست ببدعة البتة.
وعلى القول بنفيها لا بدّ أن تكون تلك العلوم مبتدعات ، وإذا دخلت في علم البدع كانت قبيحة ، لأن كل بدعة ضلالة من غير إشكال ، كما يأتي بيانه إن شاء الله.
ويلزم من ذلك أن يكون كتب المصحف وجمع القرآن قبيحا ، وهو باطل بالإجماع فليس إذا ببدعة.
ويلزم أن يكون له دليل شرعي ، وليس إلا هذا النوع من الاستدلال ، وهو المأخوذ من جملة الشريعة.
وإذا ثبت جزئيّ في المصالح المرسلة ، ثبت مطلق المصالح المرسلة.
فعلى هذا لا ينبغي أن يسمى علم النحو أو غيره من علوم اللسان أو علم الأصول أو ما أشبه ذلك من العلوم الخادمة للشريعة ، بدعة أصلا.
ومن سماه بدعة فإما على المجاز كما سمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيام الناس في ليالي رمضان بدعة ، وإما جهلا بمواقع السنّة والبدعة ، فلا يكون قول من قال ذلك معتدا به ولا معتمدا عليه.
وقوله في الحد (تضاهي الشرعية) يعني : أنها تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك ، بل هي مضادة لها من أوجه متعددة :
منها : وضع الحدود كالناذر للصيام قائما لا يقعد ، ضاحيا لا يستظل ، والاختصاص في الانقطاع للعبادة ، والاقتصار من المأكل والملبس على صنف دون صنف من غير علة.
ومنها : التزام الكيفيات والهيئات المعينة ، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ، واتخاذ يوم ولادة النبي صلىاللهعليهوسلم عيدا ، وما أشبه ذلك.