ومنها : التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة ، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته.
وثم أوجه تضاهي بها البدعة الأمور المشروعة ، فلو كانت لا تضاهي الأمور المشروعة لم تكن بدعة ، لأنها تصير من باب الأفعال العادية.
وأيضا فإن صاحب البدعة إنما يخترعها ليضاهي بها السنّة حتى يكون ملبسا بها على الغير ، أو تكون هي مما تلتبس عليه بالسنّة ، إذ الإنسان لا يقصد الاستتباع بأمر لا يشابه المشروع ، لأنه إذ ذاك لا يستجلب به في ذلك الابتداع نفعا ولا يدفع به ضررا ، ولا يجيبه غيره إليه.
ولذلك تجد المبتدع ينتصر لبدعته بأمور تخيل التشريع ولو بدعوى الاقتداء بفلان المعروف منصبه في أهل الخير.
فأنت ترى العرب الجاهلية في تغيير ملة إبراهيم عليهالسلام كيف تأولوا فيما أحدثوه احتجاجا منهم ، كقولهم في أصل الإشراك : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (١) ، وكترك الحمس (٢) الوقوف بعرفة لقولهم : لا نخرج من الحرم اعتدادا بحرمته. وطواف من طاف منهم بالبيت عريانا قائلين : لا نطوف بثياب عصينا الله فيها ، وما أشبه ذلك مما وجهوه ليصيروه بالتوجيه كالمشروع ، فما ظنك بمن عدّ أو عدّ نفسه من خواص أهل الملة؟ فهم أحرى بذلك ، وهم المخطئون وظنهم الإصابة ، وإذا تبين هذا ظهر أن مضاهاة الأمور المشروعة ضرورية الأخذ في أجزاء الحد.
وقوله : يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى ، هو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها.
وذلك أن أصل الدخول فيها يحث على الانقطاع إلى العبادة والترغيب في ذلك ، لأن الله تعالى يقول : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٣) ، فكأن المبتدع رأى أن
__________________
(١) سورة : الزمر ، الآية : ٣.
(٢) الحمس : جمع أحمس ، وهو الرجل المتشدد في الدين.
(٣) سورة : الذاريات ، الآية : ٥٦.