المتشابه ، حذرا من الوقوع في الحرام ، واستبراء للدين والعرض.
وإن كان الترك لغير ذلك ، فإما أن يكون تدينا أو لا ، فإن لم يكن تدينا فالتارك عابث بتحريمه الفعل أو بعزيمته على الترك ، ولا يسمى هذا الترك بدعة إذ لا يدخل تحت لفظ الحد إلا على الطريقة الثانية القائلة : إن البدعة تدخل في العادات ، وأما على الطريقة الأولى فلا يدخل ، لكن هذا التارك يصير عاصيا بتركه أو باعتقاده التحريم فيما أحل الله.
وأما إن كان الترك تدينا فهو الابتداع في الدين على كلتا الطريقتين ، إذ قد فرضنا الفعل جائزا شرعا فصار الترك المقصود معارضة للشارع في شرع التحليل وفي مثله نزل قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (١) ، فنهى أولا عن تحريم الحلال ، ثم جاءت الآية تشعر بأن ذلك اعتداء لا يحبه الله ، وسيأتي للآية تقرير إن شاء الله.
لأن بعض الصحابة همّ أن يحرم على نفسه النوم بالليل ، وآخر الأكل بالنهار ، وآخر إتيان النساء ، وبعضهم هم بالاختصاء ، مبالغة في ترك شأن النساء ، وفي أمثال ذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من رغب عن سنتي فليس مني» (٢).
فإذا كل من منع نفسه من تناول ما أحل الله من غير عذر شرعيّ فهو خارج عن سنّة النبي صلىاللهعليهوسلم ، والعامل بغير السنّة تدينا ، هو المبتدع بعينه.
فإن قيل : فتارك المطلوبات الشرعية ندبا أو وجوبا ، هل يسمى مبتدعا أم لا؟
فالجواب : أن التارك للمطلوبات على ضربين :
أحدهما : أن يتركها لغير التدين إما كسلا أو تضييعا أو ما أشبه ذلك من الدواعي النفسية ، فهذا الضرب راجع على المخالفة للأمر ، فإن كان في واجب فمعصية وإن كان في ندب فليس بمعصية ، إذا كان الترك جزئيا ، وإن كليا فمعصية حسبما تبين في الأصول.
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآية : ٨٧.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب : النكاح ، باب : الترغيب في النكاح (الحديث : ١١ / ٤). وأخرجه مسلم في كتاب : النكاح ، باب : استحباب النكاح (الحديث : ١٤٠١). وأخرجه النسائي في كتاب : النكاح ، باب : النهي عن التبتل (الحديث : ٦ / ٦٠).