بعده ، ثم كذلك عثمان ثم عليّ ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة ، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها ، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي صلىاللهعليهوسلم ، فهو إذا إجماع منهم على ترك تلك الأشياء.
وبقي النظر في وجه ترك ما تركوا منه ، ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن يعقدوا فيه الاختصاص وأن مرتبة النبوة يسع فيها ذلك كله للقطع بوجود ما التمسوا من البركة والخير ، لأنه عليهالسلام كان نورا كله في ظاهره وباطنه ، فمن التمس منه نورا وجده على أي جهة التمسه ، بخلاف غيره من الأمة ـ وإن حصل له من نور الاقتداء به والاهتداء بهداه ما شاء الله ـ لا يبلغ مبلغه على حال توازيه في مرتبته ، ولا تقاربه ، فصار هذا النوع مختصا به كاختصاصه بنكاح ما زاد على الأربع ، وإحلال بضع الواهبة نفسها له ، وعدم وجوب القسم عليه للزوجات وشبه ذلك ، فعلى هذا المأخذ : لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها ، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة ، كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة.
الثاني : أن لا يعتقدوا الاختصاص ولكنهم تركوا ذلك من باب الذرائع خوفا من أن يجعل ذلك سنّة ـ كما تقدم ذكره في اتباع الآثار ـ والنهي عن ذلك ، أو لأن العامة لا تقتصر في ذلك على حد ، بل تتجاوز فيه الحدود ، وتبالغ بجهلها في التماس البركة ؛ حتى يداخلها للمتبرك به تعظيم يخرج به عن الحد فربما اعتقد في المتبرك به ما ليس فيه ، وهذا التبرك هو أصل العبادة ، ولأجله قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بل هو كان أصل عبادة الأوثان في الأمم الخالية ـ حسبما ذكره أهل السير ـ فخاف عمر رضي الله عنه أن يتمادى الحال في الصلاة إلى تلك الشجرة حتى تعبد من دون الله ، فكذلك يتفق عند التوغل في التعظيم.
ولقد حكى الفرغاني مذيل تاريخ الطبري عن الحلاج أن أصحابه بالغوا في التبرك به حتى كانوا يتمسحون ببوله ويتبخرون بعذرته ، حتى ادعوا فيه الإلهية تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
ولأن الولاية وإن ظهر لها في الظاهر آثار فقد يخفى أمرها ، لأنها في الحقيقة راجعة