صغيرة وإلى ما هو كبيرة ـ حسبما تبين في علم الأصول الدينية ـ فكذلك يقال في البدع المحرمة : إنها تنقسم إلى الصغيرة والكبيرة اعتبارا بتفاوت درجاتها ـ كما تقدم ـ وهذا على القول بأن المعاصي تنقسم إلى الصغيرة والكبيرة. ولقد اختلفوا في الفرق بينهما على أوجه وجميع ما قالوه لعله لا يوفي بذلك المقصود على الكمال فلنترك التفريع عليه.
وأقرب وجه يلتمس لهذا المطلب ما تقرر في كتاب (الموافقات) أن الكبائر منحصرة في الإخلال بالضروريات المعتبرة في كل ملة ، وهي الدين والنفس والنسل والعقل والمال ، وكل ما نص عليه راجع إليها ، وما لم ينص عليه جرت في الاعتبار والنظر مجراها ، وهو الذي يجمع أشتات ما ذكره العلماء وما لم يذكروه مما هو في معناه.
فكذلك نقول في كبائر البدع : ما أخل منها بأصل من هذه الضروريات فهو كبيرة ، وما لا ، فهي صغيرة ، وقد تقدمت لذلك أمثلة أول الباب. فكما انحصرت كبائر المعاصي أحسن انحصار ـ حسبما أشير إليه في ذلك الكتاب ـ كذلك تنحصر كبائر البدع أيضا ، وعند ذلك يعترض في المسألة إشكال عظيم على أهل البدع يعسر التخلص عنه في إثبات الصغائر فيها ، وذلك أن جميع البدع راجعة إلى الإخلال بالدين إما أصلا وإما فرعا ، لأنها إنما أحدثت لتلحق بالمشروع زيادة فيه أو نقصانا منه أو تغييرا لقوا فيه ، أو ما يرجع إلى ذلك وليس ذلك بمختص بالعبادات دون العادات ، إن قلنا بدخولها في العادات ، بل تمنع في الجميع ، وإذا كانت بكليتها إخلالا بالدين فهي إذا إخلال بأول الضروريات وهو الدين ، وقد أثبت الحديث الصحيح أن كل بدعة ضلالة ، وقال في الفرق : «كلها في النار إلا واحدة» (١) وهذا وعيد أيضا للجميع على التفصيل.
هذا وإن تفاوتت مراتبها في الإخلال بالدين فليس ذلك بمخرج لها عن أن تكون كبائر ، كما أن القواعد الخمس أركان الدين وهي متفاوتة في الترتيب ، فليس الإخلال بالشهادتين كالإخلال بالصلاة ، ولا الإخلال بالصلاة كالإخلال بالزكاة ، ولا الإخلال بالزكاة كالإخلال برمضان ، وكذلك سائرها مع الإخلال ؛ فكل منها كبيرة ، فقد آل النظر إلى أن كل بدعة كبيرة.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في كتاب : الإيمان ، باب : ما جاء في افتراق هذه الأمة (الحديث : ٢٦٤٣).