يوما حارّا ـ كما رأيت ـ فثقل ردائي عليّ ، فقال : الله ما أردت بذلك الطعن على من مضى والخلاف عليه؟ قلت : الله ، قال : خلياه.
وحكى ابن وضاح قال : ثوّب المؤذّن بالمدينة في زمان مالك ، فأرسل إليه مالك فجاءه ، فقال له مالك : ما هذا الذي تفعل؟ فقال : أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر فيقوموا ، فقال له مالك : لا تفعل ، لا تحدث في بلدنا شيئا لم يكن فيه ، قد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بهذا البلد عشر سنين وأبو بكر وعمر وعثمان فلم يفعلوا هذا ، فلا تحدث في بلدنا ما لم يكن فيه ، فكف المؤذن عن ذلك وأقام زمانا ، ثم إنه تنحنح في المنارة عند طلوع الفجر ، فأرسل إليه مالك فقال له : ما الذي تفعل؟ قال : أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر ، فقال له : ألم أنهك أن لا تحدث عندنا ما لم يكن؟ فقال : إنما نهيتني عن التثويب ، فقال له : لا تفعل ، فكف زمانا ، ثم جعل يضرب الأبواب ، فأرسل إليه مالك فقال : ما هذا الذي تفعل ، فقال : أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر ، فقال له مالك : لا تفعل ، لا تحدث في بلدنا ما لم يكن فيه.
قال ابن وضاح : وكان مالك يكره التثويب ـ قال ـ وإنما أحدث هذا بالعراق ، قيل لابن وضاح : فهل كان يعمل به بمكة أو المدينة أو مصر أو غيرها من الأمصار؟ فقال : ما سمعته إلا عند بعض الكوفيين والأباضيين.
فتأمل كيف منع مالك من إحداث أمر يخف شأنه عند الناظر فيه ببادئ الرأي وجعله أمرا محدثا ، وقد قال في التثويب : إنه ضلال ، وهو بيّن ، لأن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، ولم يسامح للمؤذن في التنحنح ولا في ضرب الأبواب ، لأن ذلك جدير بأن يتخذ سنّة ، كما منع من وضع رداء عبد الرحمن بن مهدي خوف أن يكون حدثا أحدثه.
وقد أحدث بالمغرب المتسمى بالمهدي تثويبا عند طلوع الفجر وهو قولهم : أصبح ولله الحمد إشعارا بأن الفجر قد طلع ، لإلزام الطاعة ، ولحضور الجماعة ، وللغد ولكل ما يؤمرون به ، فيخصه هؤلاء المتأخرون تثويبا بالصلاة كالأذان ، ونقل أيضا إلى أهل المغرب الحزب المحدث بالإسكندرية ، وهو المعتاد في جوامع الأندلس وغيرها ، فصار ذلك كله سنّة في المساجد إلى الآن ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد فسّر التثويب الذي أشار إليه مالك بأن المؤذن كان إذا أذّن فأبطأ الناس قال بين