يجادلون فيه ، فهم الذين عنى الله فاحذروهم» (١) وهذا أبين لأنه جعل علامة الزيغ الجدال في القرآن ، وهذا الجدال مقيد باتّباع المتشابه.
فإذا الذم إنما لحق من جادل فيه بترك المحكم ـ وهو أم الكتاب ومعظمه ـ والتمسك بمتشابهه ، ولكنه بعد مفتقر إلى تفسير أظهر ، فجاء عن أبي غالب واسمه حرور قال : كنت بالشام فبعث المهلّب سبعين رأسا من الخوارج فنصبوا على درج دمشق ، فكنت على ظهر بيت لي فمر أبو أمامة فنزلت فاتبعته ، فلما وقف عليهم دمعت عيناه وقال : سبحان الله! ما يصنع السلطان ببني آدم! ـ قالها ثلاثا ـ كلاب جهنم كلاب جهنم شرّ قتلى تحت ظل السماء ـ ثلاث مرات ـ خير قتلى من قتلوه ، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه. ثم التفت إليّ فقال : أبا غالب إنك بأرض هم بها كثير فأعاذك الله منهم. قلت : رأيتك بكيت حين رأيتهم ، قال : بكيت رحمة حين رأيتهم كانوا من أهل الإسلام ، هل تقرأ سورة آل عمران؟ قلت : نعم ، فقرأ : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) حتى بلغ : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) وإن هؤلاء كان في قلوبهم زيغ بهم ثم قرأ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) إلى قوله : (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢) ، قلت : هم هؤلاء يا أبا أمامة؟ قال : نعم ، قلت : من قبلك تقول أو شيء سمعت من النبي صلىاللهعليهوسلم؟ قال : إني إذا لجريء ، بل سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لا مرة ولا مرتين ـ حتى عدّ سبعا ـ ثم قال : «إن بني إسرائيل تفرقوا على إحدى وسبعين فرقة وإن هذه الأمة تزيد عليها فرقة كلها في النّار إلا السواد الأعظم» (٣) قلت : يا أبا أمامة ألا ترى ما فعلوا؟ قال : (عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) (٤) ، خرجه إسماعيل القاضي وغيره.
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٧ ، الحاشية : ٣.
(٢) سورة : آل عمران ، الآيات : ١٠٥ ـ ١٠٧.
(٣) أخرجه الترمذي في كتاب : التفسير ، باب : ومن سورة آل عمران (الحديث : ٣٠٠٣). وأخرجه أحمد في المسند (٥ / ٢٥٣ ـ ٢٥٦). وأخرجه ابن ماجه في المقدمة (الحديث : ١٧٦) باب : ذكر الخوارج. وقد حسّنه الترمذي.
(٤) سورة : النور ، الآية : ٥٤.