وفي رواية قال : قال : «ألا ترى ما فيه السواد الأعظم» وذلك في أول خلافة عبد الملك والقتل يومئذ ظاهر. قال : (عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) وخرّجه الترمذي مختصرا وقال فيه : حديث حسن ، وخرّجه الطحاوي أيضا باختلاف في بعض الألفاظ وفيه : فقيل له : يا أبا أمامة تقول لهم هذا القول ثم تبكي! ـ يعني قوله : شر قتلى ـ إلى آخره ـ قال : رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام فخرجوا منه ثم تلا : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) (١) حتى ختمها. ثم قال : هم هؤلاء ، ثم تلا هذه الآية : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) (٢) حتى ختمها ، ثم قال : هم هؤلاء.
وذكر الآجري عن طاوس قال : ذكر لابن عباس الخوارج وما يصيبهم عند قراءة القرآن ، فقال : يؤمنون بمحكمه ، ويضلون عند متشابهه ، وقرأ : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) (٣).
فقد ظهر بهذا التفسير أنهم أهل البدع ، لأن أبا أمامة رضي الله عنه جعل الخوارج داخلين في عموم الآية ، وأنها تتنزل عليهم. وهم من أهل البدع عند العلماء ، إما على أنهم خرجوا ببدعتهم عن أهل الإسلام ، وإما على أنهم من أهل الإسلام لم يخرجوا عنهم ، على اختلاف العلماء فيهم.
وجعل هذه الطائفة ممن في قلوبهم زيغ فزيغ بهم ، وهذا الوصف موجود في أهل البدع كلهم ، مع أن لفظ الآية عام وفي غيرهم ممن كان على صفاتهم.
ألا ترى أن صدر هذه السورة إنما نزل في نصارى نجران (٤) ومناظرتهم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في اعتقادهم في عيسى عليهالسلام ، حيث تأولوا عليه أنه الإله أو أنه ابن الله أو أنه ثالث ثلاثة ، بأوجه متشابهة وتركوا ما هو الواضح في عبوديته حسبما نقله أهل السير! ثم تأوله
__________________
(١) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٦.
(٣) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.
(٤) نجران : اسم يطلق لمواضع عدة منها : موضع في البحرين ، ونجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة ، وقيل : موضع في حوران في نواحي دمشق.