دعا إليه وهو السنة ، والسبل هي سبل أهل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع. وليس المراد سبل المعاصي ، لأن المعاصي من حيث هي معاص لم يضعها أحد طريقا تسلك دائما على مضاهاة التشريع ، وإنما هذا الوصف خاص بالبدع المحدثات.
ويدل على هذا ما روى إسماعيل عن سليمان بن حرب ، قال : حدّثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال : خطّ لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما خطا طويلا ، وخط لنا سليمان خطا طويلا ، وخط عن يمينه وعن يساره فقال : «هذا سبيل الله» ثم خط لنا خطوطا عن يمينه ويساره وقال : «هذه سبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه» (١) ثم تلا هذه الآية : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) يعني الخطوط (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٢).
قال بكر بن العلاء : أحسبه أراد شيطانا من الإنس وهي البدع والله أعلم. والحديث مخرّج من طرق.
وعن عمر بن سلمة الهمداني قال : كنا جلوسا في حلقة ابن مسعود في المسجد وهو بطحاء قبل أن يحصب ، فقال له عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وكان أتى غازيا : ما الصراط المستقيم يا أبا عبد الرحمن؟ قال : هو وربّ الكعبة الذي ثبت عليه أبوك حتى دخل الجنة ، ثم حلف على ذلك ثلاث أيمان ولاء ، ثم خط في البطحاء ، خطا بيده وخطّ بجنبيه خطوطا وقال : ترككم نبيكم صلىاللهعليهوسلم على طرفه وطرفه الآخر في الجنة ؛ فمن ثبت عليه دخل الجنة ، ومن أخذ في هذه الخطوط هلك.
وفي رواية : يا أبا عبد الرحمن ، ما الصراط المستقيم؟ قال : تركنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أدناه وطرفه في الجنة ، وعن يمينه جواد وعن يساره جواد (٣) ، وعليها رجال يدعون من مرّ بهم : هلم لك ، هلم لك ، فمن أخذ منهم في تلك الطرق انتهت به إلى النار ، ومن استقام إلى
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند (١ / ٤٣٥ ، ٤٦٥). وأخرجه الدارمي (الحديث : ٢٠٨). وأخرجه النسائي في الكبرى (تحفة الأشراف : ٩٢٨١).
(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٣.
(٣) الجوادّ : جمع جادّة ، وهي : وسط الطريق.