رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (١) قال : قال : اليهود والنصارى والمجوس ، والحنيفية ـ وهم الذين رحم ربك ـ الحنيفية ، خرّجه ابن وهب وهو الذي يظهر لبادي الرأي في الآية المذكورة.
وأصل هذا الاختلاف : هو في التوحيد والتوجه للواحد الحق سبحانه ، فإن الناس في عامة الأمر لم يختلفوا في أن لهم مدبرا يدبرهم وخالقا أوجدهم ، إلا أنهم اختلفوا في تعيينه على آراء مختلفة : من قائل بالاثنين وبالخمسة ، وبالطبيعة أو بالدهر ، أو بالكواكب ، إلى أن قالوا بالآدميين وبالشجر وبالحجارة وما ينحتون بأيديهم.
ومنهم من أقرّ بواجب الوجود الحق لكن على آراء مختلفة أيضا ، إلى أن بعث الله الأنبياء مبينين لأممهم حق ما اختلفوا فيه من باطله ، فعرفوا بالحق على ما ينبغي ، ونزهوا ربّ الأرباب عمّا لا يليق بجلاله من نسبة الشركاء والأنداد ، وإضافة الصاحبة والأولاد ، فأقرّ بذلك من أقرّ به ، وهم الداخلون تحت مقتضى قوله : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) وأنكر من أنكر ، فصار إلى مقتضى قوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٢) ، وإنما دخل الأولون تحت وصف الرحمة لأنهم خرجوا عن وصف الاختلاف إلى وصف الوفاق والألفة ، وهو قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (٣) وهو منقول عن جماعة من المفسرين.
وخرّج ابن وهب عن عمر بن عبد العزيز أنه قال في قوله : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) خلق أهل الرحمة أن لا يختلفوا ، وهو معنى ما نقل عن مالك وطاوس في جامعه ، وبقي الآخرون على وصف الاختلاف ، إذ خالفوا الحق الصريح ، ونبذوا الدين الصحيح.
وعن مالك أيضا قال : الذين رحمهم لم يختلفوا. وقول الله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) إلى قوله : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) (٤) ومعنى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) فأخبر في الآية أنهم
__________________
(١) سورة : هود ، الآيتان : ١١٨ ـ ١١٩.
(٢) سورة : هود ، الآية : ١١٩.
(٣) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٣.
(٤) سورة : البقرة ، الآية : ٢١٣.