البدع ، وحمله آخرون على المرتدين عن الإسلام. والذي يدل على الأول ما خرّجه خيثمة بن سليمان عن يزيد الرقاشي قال : سألت أنس بن مالك فقلت : إن هاهنا قوما يشهدون علينا بالكفر والشرك ، ويكذبون بالحوض والشفاعة ، فهل سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك شيئا؟ قال : نعم! سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «بين العبد والكفر ـ أو الشرك ـ ترك الصلاة ، فإذا تركها فقد أشرك ، وحوضي كما بين أيلة (١) إلى مكة أباريقه كنجوم السماء ـ أو قال : كعدد نجوم السماء ـ له ميزابان من الجنة ، كلما نضب أمداه ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، وسيرده أقوام ذابلة شفاههم فلا يطعمون منه قطرة واحدة ، من كذب به اليوم لم يصب منه الشراب يومئذ» (٢) فهذا الحديث على أنهم من أهل القبلة ، فنسبتهم أهل الإسلام إلى الكفر من أوصاف الخوارج ، والتكذيب بالحوض من أوصاف أهل الاعتزال وغيرهم ، مع ما في حديث الموطأ من قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألا هلمّ» لأنه عرفهم بالغرة والتحجيل الذي جعله من خصائص أمته ، وإلا فلو لم يكونوا من الأمة لم يعرفهم بالعلامة المذكورة.
وصح من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالموعظة فقال : «إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (٣). ـ قال ـ أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم ، وإنه يستدعى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول كما قال العبد الصالح : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ* إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤) ، فيقال : هؤلاء لم
__________________
ـ (الأحاديث : ١ / ٢٨ ، ٣٠). وأخرجه النسائي في كتاب : الطهارة ، باب : حلية الوضوء (الأحاديث : ١ / ٩٣ ، ٩٤).
(١) أيلة : مدينة على الساحل في بحر القلزم مما يلي الشام ، وقيل هي آخر الحجاز وأول الشام.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب : الإيمان ، باب : بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة (الحديث : ٨٢). وأخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : ما جاء في رد الإرجاء (الحديث : ٤٦٧٨). وأخرجه الترمذي في كتاب : الإيمان ، باب : ما جاء في ترك الصلاة (الحديث : ٢٦٢٢).
(٣) سورة : الأنبياء ، الآية : ١٠٤.
(٤) سورة : المائدة ، الآيتان : ١١٧ ـ ١١٨.