شيء لم يكمل فقد كذب بقوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (١).
فلا يقال : قد وجدنا من النوازل والوقائع المتجددة ما لم يكن في الكتاب ولا في السنة نصّ عليه ، ولا عموم ينتظمه ، وأن مسائل الجد في الفرائض ، والحرام في الطلاق ، ومسألة الساقط على جريح محفوف بجرحى ، وسائر المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها من كتاب لا سنة فأين الكلام فيها؟
فيقال في الجواب : أولا أن قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) إن اعتبرت فيها الجزئيات من المسائل والنوازل فهو كما أوردتم ، ولكن المراد كلياتها ، فلم يبق للدين قاعدة يحتاج إليها في الضروريات والحاجيات أو التكميليات إلا وقد بينت غاية البيان ، نعم يبقى تنزيل الجزئيات على تلك الكليات موكولا إلى نظر المجتهد ، فإن قاعدة الاجتهاد أيضا ثابتة في الكتاب والسنّة ، فلا بد من إعمالها ، ولا يسع الناس تركها ، وإذا ثبت في الشريعة أشعرت بأن ثم مجالا للاجتهاد ، ولا يوجد ذلك إلا فيما لا نصّ فيه ، ولو كان المراد بالآية الكمال بحسب تحصيل الجزئيات بالفعل ، فالجزئيات لا نهاية لها ، فلا تنحصر بمرسوم ، وقد نص العلماء على هذا المعنى ، فإنما المراد الكمال بحسب ما يحتاج إليه من القواعد الكلية التي يجري عليها ما لا نهاية له من النوازل.
ثم نقول ثانيا : إن النظر في كمالها بحسب خصوص الجزئيات يؤدي إلى الإشكال والالتباس ، وإلا فهو الذي أدى إلى إيراد هذا السؤال ، إذا لو نظر السائل إلى الحالة التي وضعت عليها الشريعة ، وهي حالة الكلية لم يورد سؤاله ، لأنها موضوعة على الأبدية ، وإن وضعت الدنيا على الزوال والنهاية.
وأما الجزئية : فموضوعة على النهاية المؤدية إلى الحصر في التفصيل ، وإذ ذاك قد يتوهّم أنها لم تكمل فيكون خلافا لقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وقوله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (٢) الآية ، ولا شك أن كلام الله هو الصادق ، وما خالفه فهو المخالف ، فظاهر إذ ذاك أن الآية على عمومها وإطلاقها ،
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآية : ٣.
(٢) سورة : النحل ، الآية : ٨٩.