وفي الظواهر ما يدل على ذلك كقوله عليه الصلاة والسلام في بعض روايات حديث الخوارج حين ذكر السهم بصيغة الخوارج من الرمية بين الفرث والدم (١) ومن الآيات قوله سبحانه وتعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) (٢) الآية ، ونحو الظواهر المتقدمة.
الوجه الثالث : أن صاحب البدعة في بعض الأمور التعبدية أو غيرها قد يجره اعتقاد بدعته الخاصة إلى التأويل الذي يصيّر اعتقاده في الشريعة ضعيفا ، وذلك يبطل عليه جميع عمله. بيان ذلك أمثلة :
منها : أن يترك العقل مع الشرع في التشريع ، وإنما يأتي الشرع كاشفا لما اقتضاه العقل ، فيا ليت شعري هل حكّم هؤلاء في التعبد لله شرعه أم عقولهم؟ بل صار الشرع في نحلتهم كالتابع المعين لا حاكما متبعا ، وهذا هو التشريع الذي لم يبق للشرع معه أصالة ، فكل ما عمل هذا العامل مبنيا على ما اقتضاه عقله ، وإن شرك الشرع فعلى حكم الشركة لا على إفراد الشرع.
فلا يصح بناء على الدليل الدال على إبطال التحسين والتقبيح العقليين ، إذ هو عند علماء الكلام من مشهور البدع ، وكل بدعة ضلالة.
ومنها : أن المستحسن للبدع يلزمه عادة أن يكون الشرع عنده لم يكمل بعد ، فلا يكون لقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٣) ، معنى يعتبر به عندهم ، ومحسن الظن منهم يتأولها حتى يخرجها عن ظاهرها ، وذلك أن هؤلاء الفرق التي تبتدع العبادات أكثرها ممن يكثر الزهد والانقطاع والانفراد عن الخلق ، وإلى الاقتداء بهم يجري أغمار العوام ، والذي يلزم الجماعة وإن كان أتقى خلق الله لا يعدونه إلا من العامة.
وأما الخاصة فهم أهل تلك الزيادات ، ولذلك تجد كثيرا من المعتزين بهم ،
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : استتابة المرتدين ، باب : قتل الخوارج والملحدين (الحديث : ١٢ / ٢٥٧).
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٦.
(٣) سورة : المائدة ، الآية : ٣.