والمائلين إلى جهتهم ، يزدرون بغيرهم ممن لم ينتحل مثل ما انتحلوا ، ويعدونهم من المحجوبين عن أنوارهم ، فكل من يعتقد هذا المعنى يضعف في يده قانون الشرع الذي ضبطه السلف الصالح. وبيّن حدوده الفقهاء الراسخون في العلم ، إذ ليس هو عنده في طريق السلوك بمنهض حتى يدخل مداخل خاصتهم ، وعند ذلك لا يبقى لعمل في أيديهم روح الاعتماد الحقيقي ، وهو باب عدم القبول في تلك الأعمال ، وإن كانت بحسب ظاهر الأمر مشروعة ، لأن الاعتقاد فيها أفسدها عليهم ، فحقيق أن لا يقبل ممن هذا شأنه صرف ولا عدل ، والعياذ بالله!
وأما الثاني : وهو أن يراد بعدم القبول لأعمالهم ما ابتدعوا فيه خاصة فيظهر أيضا ، وعليه يدل الحديث المتقدم : «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» (١) والجميع من قوله : «كل بدعة ضلالة» (٢) أي : أن صاحبها ليس على الصراط المستقيم ، وهو معنى عدم القبول ، وفاق قول الله : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٣).
وصاحب البدعة لا يقتصر في الغالب على الصلاة دون الصيام ، ولا على الصيام دون الزكاة ، ولا على الزكاة دون الحج ، ولا على الحج دون الجهاد ، إلى غير ذلك من الأعمال ، لأن الباعث له على ذلك حاضر معه في الجميع ، وهو الهوى والجهل بشريعة الله ، كما سيأتي إن شاء الله.
وفي المبسوطة عن يحيى بن يحيى أنه ذكر الأعراف وأهله فتوجع واسترجع ، ثم قال : قوم أرادوا وجها من الخير فلم يصيبوه فقيل له : يا أبا محمد! أفيرجى لهم مع ذلك لسعيهم ثواب؟ قال : ليس في خلاف السنّة رجاء ثواب.
وأما أن صاحب البدعة تنزع منه العصمة ويوكل إلى نفسه فقد تقدم نقله ، ومعناه ظاهر جدّا ، فإن الله تعالى بعث إلينا محمدا صلىاللهعليهوسلم رحمة للعالمين حسبما أخبر في كتابه ، وقد كنا قبل
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٥١ ، الحاشية : ٣.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٣٣ ، الحاشية : ٢.
(٣) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٣.